الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونظير الآية قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ، فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ، سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ، أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ، أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} [الأحزاب 19/ 33].
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلا هجرا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا، مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل، صخب بالنهار» .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
إن الإيمان تصديق القلب، والكلام الحقيقي كلام القلب، ومن قال شيئا واعتقد خلافه فهو كاذب، فالمنافقون كاذبون، لأنهم يقولون غير ما يعتقدون. وهذا مستنبط من الآية الأولى المتضمنة أن المنافقين يشهدون أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اعترافا بالإيمان، ونفيا للنفاق عن أنفسهم، وهم في هذا لم يضيفوا شيئا جديدا للحقيقة، فالله يعلم أن محمدا رسول الله كما قالوا بألسنتهم، ولكنه يشهد أنهم في ضمائرهم كاذبون، وإن أظهروا الشهادة بالإسلام وبتصديق النبي صلى الله عليه وسلم، وحلفوا بألسنتهم.
2 -
لا يبالي المنافقون بالحلف كذبا، ويصدون عن الدخول في الإسلام، فقد اتخذوا بقيادة عبد الله بن أبي أيمانهم وقاية وسترا من الناس، يتقون بها تطبيق أحكام الكفرة عليهم من القتل والسبي واغتنام الأموال، فاغتر الناس بهم وظنوا أنهم مسلمون، فقلّدوهم، فأدى صنعهم هذا إلى صد الناس، من اليهود والمشركين عن الدخول في الإسلام، ومنعهم من الجهاد بسبب تخلفهم واقتداء
غيرهم بهم، فبئست أعمالا أعمالهم الخبيثة من نفاقهم وأيمانهم الكاذبة وصدهم عن سبيل الله.
ولكن الله تعالى بيّن أن حالهم لا يخفى عليه، ولكن حكمه أن من أظهر الإيمان، أجري عليه في الظاهر حكم الإيمان.
3 -
قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا..} . إعلام من الله تعالى بأن المنافق كافر، لأنه أقر باللسان، ثم كفر بالقلب، والمعول عليه هو ما في القلوب. وكان من لوازم اعتصامهم بالكفر أن ختم الله على قلوبهم بالكفر، فأصبحوا لا يدركون معالم الإيمان وأدلته، ولا مفهوم الخير وطرقه، فهم على الكفر الثابت الدائم.
4 -
إن الحكم على الناس لا يكون بالأشكال والهيئات والمناظر، وإنما يكون بالحقائق المدركة، والأفعال الواقعة، والأقوال الصادقة. وقد كان المنافقون حسان الهيئة، فصيحي اللسان، ولكنهم أشباح بلا أرواح، وصور بلا معان.
قال ابن عباس: كان عبد الله بن أبي وسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، وصفه الله بتمام الصورة وحسن الإبانة.
أخرج مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» .
5 -
يؤدي النفاق عادة إلى القلق والتردد، والضعف والهزيمة، والجبن والجزع والهلع، لذا كان المنافقون جبناء، يحسبون كل واقعة، كأنها نازلة بهم لجبنهم، وكأن كل أمر وقع أو خوف نازل بهم وحدهم. قال مقاتل: إذا نادى مناد في العسكر، وانفلتت دابة، أو نشدت ضالة مثلا، ظنوا أنهم يرادون بذلك، لما في قلوبهم من الرعب، ولأنهم على وجل من أن يهتك الله أستارهم، ويكشف أسرارهم، يتوقعون الإيقاع بهم ساعة فساعة.