الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
عاتب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على الامتناع من تناول ما أحل الله، فلا ينبغي لأحد تحريم المباح:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} [المائدة 78/ 5]. قال الشعبي: كان مع الحرام يمين، فعوتب في الحرام، وإنما يكفر اليمين فذلك قوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ} . وهذا العتاب دليل قاطع بأن القرآن من عند الله، إذ لا يعقل ولا يؤلف أن يعاتب الإنسان نفسه، أو يخبر عن نزاع خاص في بيته يظل خبرا متلوا دائما.
2 -
إن مجرد الامتاع من تناول الشيء المأكول أو المشروب من غير حلف ليس يمينا، ولا يحرّم قول الرجل:«هذا علي حرام» إلا الزوجة، فيكون إيلاء منها. وهذا رأي الجمهور. وقال أبو حنيفة: إن تحريم المأكول والمشروب والملبوس والشيء المباح يكون يمينا توجب الكفارة. وإذا حرم امرأة، فقد حلف يمين الإيلاء منها، كما تقدم.
والحقيقة: ليس في الموضوع نص يعتمد عليه، فمن تمسك بالبراءة الأصلية قال: لا حكم، فلا يلزم بها شيء، ومن قال: إنها يمين، قال: سماها الله يمينا.
ومن قال: تجب فيها كفارة وليست بيمين، اعتمد على أحد أمرين: أحدهما-أنه ظن أن الله تعالى أوجب الكفارة فيها، وإن لم تكن يمينا، والثاني-أن معنى اليمين عنده التحريم، فوجبت الكفارة على المعنى.
ومن قال: إنها طلقة رجعية، فإنه حمل اللفظ على أقل وجوهه، والرجعية محرّمة الوط ء. ومن قال: إنها ثلاث، حمل اللفظ على أكبر معناه وهو الطلاق الثلاث. ومن قال: إنه ظهار، فلأنه أقل درجات التحريم، فإنه تحريم لا يرفع
النكاح. ومن قال: إنه طلقة بائنة، فاعتمد على أن الطلاق الرجعي لا يحرّم المطلّقة، وأن الطلاق البائن يحرّمها
(1)
.
3 -
تحليل اليمين كفارتها، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف، مع الامتناع عن تناول العسل، وأنه في الأصح كفّر عن يمينه. والكفارات تجبر الخلل الحاصل.
وإن حرم الرجل أمته أو زوجته، فكفارة يمين، لما أحج مسلم في صحيحة عن ابن عباس قال:«إذا حرّم الرجل عليه امرأته، فهي يمين يكفّرها» وقال:
{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب 21/ 33].
4 -
للنساء بسبب الغيرة الفطرية الشديدة التأثير مواقف غريبة وعجيبة من بعضهن بعضا.
5 -
يصعب على النساء كتمان السر، فقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته حفصة تحريم العسل أو مارية على نفسه، أو أمر الخلافة من بعده لأبي بكر وعمر، واستكتمها السر، فأباحت به لعائشة.
6 -
يغفل الإنسان غالبا عن أن الله عالم خبير به وبأحواله، فيتصرف تصرفات الغافل غير الواعي ولا المدرك لما يفعل، ولا يحسب الحساب اللازم لمن يراه ويحاسبه على أعماله. وهذا ما كان من حفصة التي فاجأها النبي صلى الله عليه وسلم بما فعلت، وأعلمها بأن الله أخبره بذلك.
7 -
القرآن تهذيب وتربية وتعليم، لذا حث الله سبحانه حفصة وعائشة على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى مخالفة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم شأنه وإعلاء قدره وصون سره. فقد زاغت ومالت قلوبهما عن الحق، وهو أنهما أحبّتا ما كره النبي صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته، واجتناب العسل، وكان صلى الله عليه وسلم يحب العسل والنساء، محبة فيها اعتدال وإعزاز وإكرام للنساء.
(1)
تفسير القرطبي: 183/ 18
8 -
هدد الله حفصة وعائشة بأنهما إن تتظاهرا وتتعاونا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمعصية والإيذاء، فهناك حملة صون وحفظ وعصمة وحراسة له من الله والملائكة وجبريل والمؤمنين الصالحين، كأبي بكر وعمر أبوي عائشة وحفصة.
9 -
وهددهما بتهديد آخر أشد ألما ووقعا على النفس، وهو إن طلقهما وطلّق زوجاته، أبدله الله زوجات خيرا وأفضل منهن في الدنيا والآخرة. وهذا وعد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإخبار عن القدرة الإلهية وتخويف لهم، مع علمه تعالى بأنه لا يطلقهن.
وأوصاف النساء اللاتي يبدله الله بدلا عن زوجاته الحاليات في غاية الكمال، وهي كونهن مسلمات لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، مصدقات بما أمرن به ونهين عنه، مطيعات، تائبات من ذنوبهن، كثيرات العبادة لله تعالى، صائمات أو مهاجرات، ثيّبات وأبكارا، أي منهن ثيّب، ومنهن بكر.
10 -
حينما أفشت حفصة السر لعائشة، آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل على نسائه شهرا، فاعتزلهن تسعا وعشرين ليلة، فأنزل الله عز وجل:{لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ} الآية،
وهذا ما رواه الدارقطني عن ابن عباس عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم على نفسه مارية.
وروى مسلم في صحيحة قصة طويلة مفادها: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وقال الناس في المسجد: طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وذلك قبل الأمر بالحجاب، دخل عمر على كل من عائشة وحفصة يعاتبهما على إيذائهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع على حصير، فجلس، وإذا الحصير قد أثّر في جنبه، فقال عمر: فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم،