الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} أي أسكنوا المطلقات في مسكن مشابه لما تسكنون فيه بقدر أحوالكم، وقدر سعتكم وطاقتكم، ولو كان ذلك في حجرة من غرف الدار التي تسكنون فيها، ولا تلحقوا بهن ضررا في النفقة والسكنى، فتلجئوهن إلى الخروج من المسكن، أو التنازل عن النفقة، فالوجد: الغنى والمقدرة. وهذا بيان ما يجب للمطلقات من السكنى في المستوى الملائم لحال الرجل، لأن السكنى نوع من النفقة الواجبة على الزوج، فإذا طلق الرجل زوجته، وجب عليه أن يسكنها في منزل حتى تنقضي عدتها، دون مضارّة في السكنى أو النفقة.
{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} أي إن كانت المرأة المطلقة حاملا، وجب الإنفاق عليها حتى تضع حملها. ولا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة. وقد ذهب الحنفية إلى تعميم هذا الحكم، فقالوا: تجب النفقة والسكنى لكل مطلقة، ولو مبتوتة، وإن لم تكن ذات حمل، لقوله تعالى:{وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} وترك النفقة من أكبر الأضرار، لما
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المبتوتة: «لها النفقة والسكنى» لأن ذلك جزاء الاحتباس، وتستوي فيه الحامل وغيرها. لكن قال الإمام أحمد: لا يصح ذلك عن عمر.
ورأى مالك والشافعي: أن للمطلقة ثلاثا السكنى، ولا نفقة لها إلا إذا كانت حاملا، لأن آية {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} هي في البائن الحامل، بدليل أن الرجعية تجب نفقتها، سواء كانت حاملا أو حائلا (غير حامل) لذا قالوا:
الآية دليل على اختصاص النفقة بالحامل من المعتدات، والأحاديث تؤيده.
ومذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور: ألا نفقة للمطلقة ثلاثا ولا سكنى، لما
رواه مسلم وأحمد من حديث فاطمة بنت قيس الذي طلّقها زوجها ثلاثا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا نفقة لك ولا سكنى» . وذكر الدارقطني عن الأسود بن يزيد قال: قال عمر لما بلغه قول فاطمة بنت قيس: لا نجيز في المسلمين قول امرأة. وكان يجعل للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة. لكن قال الدارقطني: السنة بيد فاطمة قطعا.
ثم أمر الله تعالى بدفع الأجرة على الرضاع، فقال:
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} أي فإن أرضعت الأمهات المطلقات أولادكم بعد ذلك، فأعطوهن أجور إرضاعهن إذا رضين بأجر المثل، وائتمروا وتآمروا وتشاوروا أيها الأزواج والزوجات الذين وقع بينهم الفراق بالطلاق بما هو جميل معروف، وحسن غير منكر، في شأن الولد بما يضمن أوضاعه الصحية والمعاشية، من غير إضرار ولا مضارة، كما قال تعالى:{لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها، وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة 233/ 2] وقال سبحانه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة 233/ 2].
والآية دليل على أن أجرة الرضاع للأولاد على الأزواج، وحق الحضانة على الزوجات.
{وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى} أي وإن تضايقتم واختلفتم في شأن الإرضاع، فأبى الزوج أن يعطي الأم الأجر الذي تريده، وأبت الأم أن ترضعه إلا بما تريد من الأجر، فيستأجر الأب مرضعة أخرى ترضع ولده. وفي هذا عتاب للأم على التشدد في الطلب، وعدم التسامح مع الأب. وذلك إذا قبل الولد ثدي امرأة أخرى، وإلا وجب الإرضاع على الأم.
ثم أبان الله تعالى مقدار النفقة، فقال:
{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ} أي لينفق على المولود والده أو وليه بحسب طاقته أو قدرته، ومن كان فقيرا