الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ} أي لا يتساوى أصحاب النار الذين لم يعملوا ما ينقذهم منها، فاستحقوا النار، والذين استكملوا نفوسهم، فاستأهلوا الجنة، واحتج به الشافعية على أن المسلم لا يقتل بالكافر. {هُمُ الْفائِزُونَ} بالنعيم المقيم.
المناسبة:
بعد بيان أحوال المنافقين واليهود، أمر الله تعالى بالتقوى التي هي التزام المأمورات واجتناب المنهيات، وأمر بالعمل في الدنيا للآخرة، ورغب في الإعداد للجنة، وحذر من عمل أهل النار، ووصف أهل الجنة المستحقين لها بالفائزين، وأهل النار بالفاسقين.
التفسير والبيان:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ، وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ، وَاتَّقُوا اللهَ، إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} أي يا أيها الذين صدقوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، افعلوا ما أمر الله به، واتركوا ما زجر عنه، واتقوا عقابه، ولتتأمل نفس أي شيء قدّمت من الأعمال الصالحة ليوم القيامة، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واتقوا الله-وكرر الأمر بالتقوى للتأكيد والحث على ما ينفع في الآخرة-فإن الله لا تخفى عليه من أعمالكم وأحوالكم خافية، فهو مجازيكم بأعمالكم صغيرها وكبيرها، قليلها وكثيرها.
ثم نهى الله تعالى عن التشبه بالذين أهملوا حقوق الله، فقال:
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ، فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ، أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} أي واحذروا أن تكونوا كالذين تركوا أمر الله، وأهملوا حقوق الله الواجبة على العباد، ولم يخافوا ربهم، فجعلهم ناسين أنفسهم بسبب نسيانهم لربهم، فلم يعملوا الأعمال الصالحة التي تنفعهم في المعاد، وتنجيهم من العذاب، فإن الجزاء من جنس العمل، وأولئك التاركون حقوق الله هم الخارجون الكاملون في الخروج
عن طاعة الله، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم.
وذلك كما قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ، فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} [المنافقون 9/ 63].
ثم قارن الله تعالى بين المحسنين والمسيئين لبيان أنه لا استواء بين الفريقين، فقال:
{لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ} أي لا يستوي مستحقو النار ومستحقو الجنة في حكم الله تعالى في الفضل والرتبة يوم القيامة، أصحاب الجنة هم الظافرون بكل مطلوب، الناجون من كل مكروه.
ونظير الآية كثير في القرآن، مثل قوله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ، سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ} [الجاثية 21/ 45] وقوله سبحانه: {وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ، قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ} [غافر 58/ 40]. وقوله عز وجل: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ} [ص 28/ 38].
وهذا ترغيب في العمل للجنة، وترهيب من العمل للنار. ويلاحظ أن الآيات بدأت بالأمر بالتقوى، ثم نهت عن نسيان حقوق الله، ثم وازنت بين الطائعين والعصاة، وكل ذلك لتأكيد الأمر بالتقوى وطاعة الله، فبعد إرشاد المؤمنين إلى ما فيه مصلحتهم يوم القيامة:{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ} وتهديد الكافرين بقوله: {كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ، فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ} أبان تعالى الفرق بين الفريقين.