الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَاللهُ يَشْهَدُ} يعلم. {إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ} لأنهم لم يعتقدوا بالرسالة أصلا، فهم كاذبون فيما أضمروه خلافا لما قالوه.
{جُنَّةً} وقاية وسترا من القتل والسبي وأخذ الأموال. {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ} صدوا بالأيمان عن الجهاد في سبيل الله. {إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} من نفاق وصدّ. {ذلِكَ} أي سوء أعمالهم. {آمَنُوا} باللسان. {ثُمَّ كَفَرُوا} بالقلب، بمعنى أنهم استمروا على كفرهم به.
{فَطُبِعَ} ختم، حتى تمرنوا على الكفر واستحكموا فيه. {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} حقيقة الإيمان ولا يعرفون صحته.
{تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ} لضخامتها وجمالها. {تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} لفصاحتهم وذلاقتهم وحلاوة كلامهم. {خُشُبٌ} جمع خشباء: وهي الخشبة المنخور جوفها. {مُسَنَّدَةٌ} منصوبة مسندة إلى الجدار. {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} يظنون أن كل صوت واقع بهم لجبنهم وهلعهم. {هُمُ الْعَدُوُّ} الضمير للكل، والعدو يطلق على الجمع والمفرد. {قاتَلَهُمُ اللهُ} لعنهم وطردهم من رحمته، وأهلكهم. {أَنّى يُؤْفَكُونَ} كيف يصرفون عن الحق والإيمان بعد قيام البرهان.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم ينطقون بالإسلام إذا جاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهم في الحقيقة على الضد من ذلك، فيقول:
{إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ} أي إذا قدم المنافقون إليك يا رسول الله مثل عبد الله بن أبي وصحبه، وحضروا مجلسك، أظهروا لك الإسلام، وقالوا: نشهد إنك لرسول الله شهادة تتطابق فيها القلوب مع الألسنة، والله يعلم أن الأمر كما قالوا، وأنك رسول الله إلى الناس كافة، والله يشهد إنهم لكاذبون في قولهم: نشهد، وفيما أخبروا عنه وهو الشهادة بالرسالة التي هي حق، لأنهم لم يكونوا يعتقدون صدق وصحة ما يقولون، ولا تطابق بين ما عليه قلوبهم مع ما أعلنته ألسنتهم، ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم، وأن شهادتهم لم تكن شهادة في الحقيقة، فهم كاذبون في تسمية شهادة.
وقولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} فيه تأكيد شهادتهم، للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم، مع صدق اعتقادهم، ومعنى {نَشْهَدُ} نعلم ونحلف.
وقوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} جملة اعتراضية مخبرة أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تصديق من الله عز وجل لما تضمنه كلامهم من الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، لئلا يتوهم كون التكذيب الآتي بعدئذ موجها إلى ذلك. وقوله:{وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ} يراد به تكذيب دعواهم أن شهادتهم للنبي صلى الله عليه وسلم هي من صميم القلب.
ثم أخبر الله تعالى عن استخدام الأيمان لإثباتهم ما يقولون، وإقناع الناس بصدقهم، فقال:
{اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً، فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي إنهم جعلوا أيمانهم الكاذبة التي حلفوها وقاية وسترا لصون دمائهم من القتل، وأنفسهم من الأسر، وأموالهم من الأخذ، حتى لا تطبق عليهم أحكام الكفار من القتل والأسر واغتنام المال، فاغترّ بهم من لا يعرف حقيقة أمرهم، فاعتقدوا بأنهم مسلمون، فاقتدوا بهم فيما يفعلون، مما ألحق ضررا بكثير من الناس، إذ منعوهم من الإيمان والجهاد وأعمال الطاعة بسبب ما يصدر منهم من التشكيك والقدح في النبوة، إنه لقبيح ما كانوا يفعلون من النفاق والصدّ عن سبيل الله تعالى.
والآية دليل على ارتكابهم جرمين كبيرين: الحلف بالأيمان الكاذبة، والصد عن الدخول في الإسلام والجهاد في سبيل الله، مما استوجب وصف أفعالهم بالقبح.
ثم أخبر الله تعالى عن أسباب موقفهم هذا، فقال:
{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا، ثُمَّ كَفَرُوا، فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} أي ذلك المذكور من الكذب والصدّ وقبح الأعمال بسبب أنهم آمنوا نفاقا، ثم كفروا
في الحقيقة والباطن، فختم على قلوبهم بسبب كفرهم، فلا يدخلها إيمان، ولا تهتدي إلى حق، ولا ينفذ إليها خير، فأصبحوا لا يفهمون ما فيه رشدهم وصلاحهم، ولا يعون ولا يدركون الأدلة الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم والرسالة.
ثم أبان الله تعالى مدى الاغترار بمظاهرهم وصورهم الجسدية، فقال:
{وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ، وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ، كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} أي وإذا نظرت إليهم تروقك هيئاتهم ومناظرهم، لما فيها من النضارة والرونق وجمال الصورة واعتدال الخلقة، وإن تكلموا حسن السماع لكلامهم، وظن أن قولهم حق وصدق، لفصاحتهم وحلاوة منطقهم وذلاقة ألسنتهم، كأنهم أخشاب جوفاء منخورة مستندة إلى الحيطان، فهم مجرد كتل بشرية لا تفهم ولا تعلم، وقد كان عبد الله بن أبي رأس المنافقين فصيحا جسيما جميلا، ولكنه وصحبه لا وعي ولا إدراك لديهم، لخلوهم عن الفهم النافع، والعلم الذي ينتفع به صاحبه، فهم صور بلا معان. فقوله:{وَإِذا رَأَيْتَهُمْ} يعني عبد الله بن أبي، ومغيث بن قيس، وجدّ بن قيس، كانت لهم أجسام ومنظر، تعجبك أجسامهم لحسنها وجمالها، وكان عبد الله بن أبي جسيما صبيحا فصيحا.
{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ، قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ} أي وهم مع جمال مناظرهم وجسامة أجسادهم في غاية الضعف والخور والجبن، يظنون كل صوت كلما وقع أمر، أو كل صيحة يسمعونها واقعة عليهم، نازلة بهم، لفرط جبنهم، ورعب قلوبهم، وفراغهم النفسي، وإحساسهم بالهزيمة من الداخل، فهم الأعداء الألداء، فاحذر مؤامراتهم، ولا تطلعهم على شيء من أسرارك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار، لعنهم الله وطردهم من رحمته وأهلكهم، كيف يصرفون عن الحق، ويميلون عنه إلى الكفر، ويتركون الهدى إلى الضلال.