الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصفة الثالثة-التّعفف:
إظهار العفّة والتّرفع عن الطّمع مما في أيدي الناس، حتى إن الجاهل بحقيقة حالهم يظنّهم أغنياء، لعفّتهم وصبرهم وقناعتهم وتعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم. ورد في هذا المعنى حديث متّفق على صحّته
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي تردّه التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين: الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا»
(1)
.
الصفة الرابعة-القرائن المميزة لهم:
{تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ} أي علامتهم، والتّعرّف عليهم يحتاج إلى فراسة المؤمن
(2)
، وخبرة المجرّب، وحنكة ذوي البصيرة والعقل، والتّحرّي عنهم بالسؤال لمن يعرفهم من جيران وأقارب، وربما يستأنس بمظاهر الضّمور والنّحول والضّعف ورثاثة الثياب، وربما لا يكون ذلك دليلا مقنعا، فقد يتظاهر بعضهم بالفقر، وقد يكتسي بعضهم اللباس المعقول لعزّة نفسه، ويكون هو المحتاج، وغيره هو الكاذب.
الصفة الخامسة-عدم السؤال أصلا وعدم الإلحاح في السؤال:
{لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً} ومعناه في رأي جمهور المفسرين: أنهم متعففون عن المسألة عفة تامة، ويكون التعفف صفة ثابتة لهم، أي لا يسألون الناس إلحاحا ولا غير إلحاح.
(1)
رواه أحمد أيضا عن ابن مسعود.
(2)
جاء في حديث السّنن: «اتّقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله» ثم قرأ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ.
وقال قوم: إن المراد نفي الإلحاف، أي إنهم يسألون الناس غير إلحاف، وهذا هو المتبادر إلى الذهن والسابق للفهم، أي يسألون غير ملحفين، فلا يلحّون في المسألة، ولا يكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه، فإن من سأل وله ما يغنيه عن المسألة، فقد ألحف في المسألة. وفي هذا تنبيه على سوء حالة من يسأل الناس إلحافا، وهذا شأن أغلب الشّحاذين اليوم.
روى الأئمة، واللفظ لمسلم، عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلحفوا في المسألة، فو الله لا يسألني أحد منكم شيئا، فتخرج له مسألته مني شيئا، وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته» .
ثم ختمت الآية بأنه ما من نفقة صغيرة أو كبيرة إلا ويعلمها الله، ولا يخفى عليه الباعث على النفقة أو النيّة أيضا، فبحسن النية والإخلاص ففي النفقة دون أذى يحسن الجزاء، وبسوء النية يسوء الجزاء. وفي هذا ترغيب في الإنفاق الطيّب، وترهيب من الإنفاق الخبيث.
ثم أوضح الله تعالى ثواب المنفقين وجزاء الإنفاق في جميع الأحوال والأوقات، فمن تصدّق بأمواله ليلا أو نهارا، سرّا أو علانية، ولم يمتنع عن نفقة وقت الحاجة إليها، ومنها النفقة على الأهل، كما دلّ حديث النّبي صلى الله عليه وسلم لسعد المتقدّم، فله الأجر الكامل عند ربّه وثوابه على الله لا على أحد سواه، ولا خوف عليه في الآخرة، ولا يتعرّض للحزن أبدا، أي فلا خوف عليه فيما يستقبله من أهوال يوم القيامة، ولا يحزن على ما خلّفه من أولاد ولا على ما فاته من الحياة الدّنيا وزهرتها، فلا يأسف عليها؛ لأنه قد صار إلى ما هو خير له من ذلك.
وإنما قدّم الليل على النهار، والسرّ على العلانية، للإشارة إلى تفضيل صدقة السرّ على صدقة العلانية.