الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{أَلَمْ تَرَ} الاستفهام للتعجب والإنكار {حَاجَّ} جادل {أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ} أي حمله بطره بنعمة الله على ذلك وهو نمروذ.
{فَبُهِتَ} تحير ودهش،
وفي الحديث: «إن اليهود قوم بهت» ، {الظّالِمِينَ} المعرضين عن قبول الهداية بالنظر فيما يؤدي إلى الحق.
المناسبة:
لما ذكر الله تعالى فيما سبق أن الله ولي الذين آمنوا، وأن الطاغوت ولي الكافرين، أعقبه بذكر نموذج للإيمان ونموذج للطغيان، ليبين تلك القضية ويشهد على صدقها وصحتها، وهو أن إبراهيم وفقه الله للأدلة التي تدحض الشبهات، وأن الملك عمي عن نور الحق، فكانت حججه متهافتة ساقطة، تتردد في ظلمات الشكوك والأوهام، فصارت هذه القصة مثلا للمؤمن والكافر اللذين تقدم ذكرهما
(1)
.
التفسير والبيان:
ألم تعلم قصة النمروذ الملك الذي تجبر وادعى الربوبية وهو النّمروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح عليه السلام ملك زمانه، وعارض إبراهيم في ربوبية الله
(2)
.
والذي حمله على المجادلة: هو الملك وما يعقبه من كبر وبطر وغرور، وهو ملك بابل، وقيل: إنه ملك زمانه، ملك الدنيا بأجمعها، قال مجاهد: وملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة: مؤمنان وكافران: فالمؤمنان: سليمان بن داود
(1)
البحر المحيط: 286/ 2
(2)
تفسير ابن كثير: 313/ 1
وذو القرنين، والكافران: نمروذ وبختنصّر
(1)
. فالنمروذ الملك لم يشكر النعمة، بل أبطرته، وجعلته يطغى، مع أن النعمة مدعاة الشكر، فجعل ما كان سببا في الطاعة سببا في المعصية.
وهو في رأي ابن عباس ومجاهد وجماعة آخرين: صاحب النار والبعوضة، فهو الذي أضرم النار لإحراق إبراهيم عليه السلام، وكان إهلاكه لما قصد المحاربة مع الله تعالى: بأن فتح الله تعالى عليه بابا من البعوض، وبعثها على عسكره، فأكلت لحومهم، وشربت دماءهم، ودخلت واحدة منها في دماغه، فأكلته حتى صارت مثل الفأرة، فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عتيدة لذلك، فبقي في البلاء أربعين يوما
(2)
.
وكان قوم الملك يعبدون ملوكهم مع آلهتهم، فأحب الملك أن يرجع إبراهيم عن نحلته الجديدة المخالفة لنحلة قومه، وان يعبده وآلهته.
وهذه قصة المجادلة
(3)
:
حينما كسّر إبراهيم عليه السلام الأصنام التي تعبد من دون الله، وسفّه عقول عابديها، سأله نمروذ عن ربه الذي يدعو إلى عبادته، فأجابه: ربي الذي يحيي ويميت فهو مصدر الحياة وسبب الممات، أي ينشئ الحياة والموت، فأنكر الملك الطاغية الذي كان أول من تجبر وقال: أنا أحيي بعض البشر بالعفو عمن حكم عليه بالإعدام، وأميت البعض الآخر بالقتل وتنفيذ الحكم المقرر عليه، وأحضر رجلين عفا عن أحدهما، وقتل الآخر، وأخذ أربعة نفر فأدخلهم بيتا وتركهم بدون طعام وشراب، ثم أطعم اثنين فحييا، وترك اثنين فماتا.
(1)
تفسير ابن كثير: 313/ 1
(2)
تفسير القرطبي: 284/ 3
(3)
قصص الأنبياء للأستاذ عبد الوهاب النجار: ص 81
وهذا أول السقوط والضعف في حجة النمروذ، لأن المراد في قول إبراهيم:
إنشاء الحياة وتكوينها بعد العدم، وإزالة الحياة القائمة لجميع الكائنات الحية من نبات وحيوان وغيرهما، لا مجرد التسبب في بقاء الحياة، وإعدامها لفئة من الناس حكم عليهم بالإعدام، فجواب النمروذ بمعنى أنه يكون سببا في الإحياء والإماتة.
ولما رأى إبراهيم مغالطة الطاغية وتجاهله المقصود من معنى الإحياء والإماتة، انتقل إلى حجة أخرى لا مجال فيها للمكابرة أو المغالطة، فقال: إن ربي الذي يمنح الحياة ويسلبها بقدرته وإرادته المطلقة هو الذي يطلع الشمس من المشرق، فإن كنت تدعي الربوبية، فغيّر نظام طلوع الشمس وغروبها، وائت بها من جهة المغرب.
فلم يجد من تولى كبره جوابا، ودهش وتحير، وأعجزته الحجة، وأفحمه إبراهيم، وغلبه وأسكته، وقطع حجته، ولم يمكنه، أن يقول: آنا الآتي بها من المشرق، لأن الواقع يكذبه.
والله لا يهدي الظالمين أنفسهم المعرضين عن قبول هداية الله إلى طريق الخير والفلاح أبدا، بل يطمس الله على قلوبهم وبصائرهم، ويفضح شأنهم في أحلك أوقات الشدة والأزمة أمام الملأ من الناس. وهذا يدل على أن عدم الهداية ليس للطائعين، وإنما للظالمين، والمراد: هداية خاصة، أو ظالمون مخصوصون
(1)
.
وقد ذكر السّدّي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم ونمرود بعد خروج إبراهيم من النار، ولم يكن اجتمع بالملك، إلا في ذلك اليوم، فجرت بينهما هذه المناظرة، وكان ذلك نصرا لخليل الله إبراهيم بعد نصر، وهكذا تتوالى الانتصارات لأولياء الله وأصفيائه، وتتعاقب الهزائم لأعداء الله، وتبدو مواقف الخذلان لهم
(1)
البحر المحيط: 289/ 2