الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستحق للحمد والشكر على جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره ونعمه. ومن الحمد اللائق بجلاله: إنفاق الطيب مما أنعم به.
فقه الحياة أو الأحكام:
موضوع الآية: وجوب اختيار الطيب الجيد من مكاسب الأموال عند إنفاقها في سبيل الله، سواء أكانت من الزكوات الواجبة أم من الصدقات المندوبة؛ لأن القصد هو التقرب إلى الله تعالى، وادخار الثواب على فعل الخير، وذلك لا يتحقق إلا بجياد الأموال وأطيبها.
والآية خطاب لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم
(1)
، واختلف العلماء في المعنى المراد بالإنفاق هنا، فقال علي بن أبي طالب وعبيدة السّلمانيّ وابن سيرين: هي الزكاة المفروضة، نهى الناس عن إنفاق الرديء فيها بدل الجيد.
وقال البراء بن عازب والحسن البصري وقتادة: إن الآية في التطوع، ندبوا إلى ألا يتطوعوا إلا بمختار جيد.
والظاهر أن الآية عامة تشمل الزكاة والصدقة، لكن الزكاة الأمر فيها على الوجوب، ومخصوصة بالقدر المفروض، وأما التطوع فالأمر فيه على الندب، وليس مخصوصا بقدر معين، فيجوز بالقليل وبالكثير، لكن يختار الجيد، وليس القصد هو الممتاز، فهو الأولى، ولكن الحد الأدنى المطلوب هو الوسط، كما قرر الفقهاء في الزكاة.
ودلت الآية على أن للوالد أن يأكل من كسب ولده؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«أولادكم من طيّب أكسابكم، فكلوا من أموال أولادكم هنيئا»
(2)
.
واستدل أبو حنيفة رضي الله عنه بقوله تعالى: {وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}
على وجوب زكاة العشر فيما سقي بالمطر، ونصف العشر فيما سقي بالبئر ونحوه مما فيه كلفة، في كل ما تخرجه الأرض من أصناف زراعية، قليلا كان أو كثيرا، من غير تقدير بنصاب، ولا تخصيص بنوع معين من الأقوات، فتجب الزكاة عنده في الزروع والثمار كلها، ويعضده
قوله صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بنضح أو دالية
(1)
نصف العشر».
وأجيب من قبل الجمهور: بأنه لا متعلق له من الآية؛ لأنها إنما جاءت لبيان محل الزكاة، لا لبيان نصابها أو مقدارها،
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الأنصبة بقوله فيما رواه ابن ماجة: «ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة»
(2)
.
وهناك أدلة أخرى للفريقين
(3)
.
ويلاحظ أن الآيات التي تطالب بالإنفاق تختم عادة أو غالبا إما بقوله تعالى: {وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} أو بقوله: {وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} وذلك يرشدنا إلى أن النفقة جزء مما أنعم الله به من رزق على العباد، وأنه تعالى سيجزيه بها ويضاعفها له أضعافا كثيرة، ويخلف المبذول على المنفق؛ لأنه واسع الفضل والرحمة والعطاء، ويرشدنا أيضا إلى أن القصد هو اختبار الناس فهو لا يأمرهم بالصدقة حين العوز، وإنما حال السعة واليسر، فكل إنسان مكلف حسب طاقته وقدرته على الإنفاق، وهو سبحانه محمود على كل حال، وعلى جميع نعمه،
(1)
الدالية: الغرافة التي تديرها البقرة أو الجمل ونحوهما من الدواب، والناعورة التي يديرها الماء. والحديث رواه الجماعة إلا مسلما عن ابن عمر.
(2)
الذود من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشر، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، والكثير: أذواد. ونصاب الفضة: مائتا درهم، والدرهم العربي (2، 975 غم)، والخمسة الأوسق تعادل (653 كغ).
(3)
أحكام القرآن للجصاص الرازي: 458/ 1، أحكام القرآن لابن العربي: 235/ 1 وما بعدها.