الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
ما أنفقتم من نفقة، سواء كانت لله أو للرياء أو كانت مصحوبة بالمن أو الأذى أو لم تصحب بهما؛ أو نذرتم نذرا في طاعة (وهو نذر التبرر) أو في معصية (وهو نذر اللجاج والغضب)، فإن الله عالم به ومجاز عليه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وهذا ترغيب في الخير وترهيب من الشر. وما للظالمين الذين ظلموا أنفسهم بأن بخلوا بالمال ولم يتصدقوا من أنصار ينصرونهم يوم القيامة، كقوله:{ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ} [غافر 18/ 40].
وإن تظهروا صدقات التطوع بقصد حمل الناس على فعلها فنعم ما فعلتم، وإن تخفوها، ولم تعلموا بها أحدا، وتعطوها الفقراء، فهو خير لكم بعدا عن الرياء والسمعة، ويمحو عنكم بالصدقة بعض ذنوبكم؛ لأن الصدقة لا تكفر جميع الذنوب أو السيئات.
والله خبير وبصير بكل عمل تعملونه وبكل دقائق الأمور، فهو يعلم السر وأخفى، فيجازيكم على أعمالكم، واحذروا الرياء والإنفاق لغير الله، فلا تخفى عليه نياتكم في الإبداء والإخفاء.
فقه الحياة أو الأحكام:
كانت العرب تكثر من النذور، فذكر الله تعالى النوعين: ما يفعله المرء تبرعا، وما يفعله نذرا أي بإلزامه نفسه.
ويخبر الله تعالى بأنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات، ويجازي كل واحد بحسب فعله، خيرا أو شرا، وفي الآية معنى الوعد والوعيد، فمن كان خالص النية، ينفق في طاعة الله فهو مثاب، ومن أنفق رياء أو قرن صدقته بالمن أو الأذى ونحو ذلك، فهو ظالم، يذهب فعله هدرا، ولا يجد له يوم القيامة ناصرا فيه ينقذه من عذاب الله ونقمته. ولا فرق في
مشروعية نذر التبرر بين أن يكون بشرط أو بغير شرط، مثال الأول: أن يقول الناذر: لله علي أن أصوم أو أتصدق بكذا، ومثال الثاني: أن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بكذا.
وقد اتفق العلماء على وجوب الوفاء بنذر الطاعة، وحرمة فعل المعصية المنذورة، بدليل
ما أخرجه النسائي عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النذر نذران: فما كان من نذر في طاعة الله تعالى، فذلك لله تعالى، وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله تعالى، فذلك للشيطان، ولا وفاء فيه، ويكفّره ما كفّر اليمين» .
وأما نذر المباح كالأكل والركوب واللبس فيخير فيه في رأي جمهور الفقهاء بين الفعل والترك،
لخبر أبي داود: «لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى» .
وأما المرأة التي نذرت أن تضرب الدف يوم قدوم النبي صلى الله عليه وسلم وقول الرسول لها:
أوفي بنذرك، فإن فعلها صار من القرب، لسرور المسلمين بقدومه صلى الله عليه وسلم، وإغاظة الكفار، وإرغام المنافقين.
وذهب جمهور المفسرين إلى أن الآية (271) في صدقة التطوع، وفيها دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، وكذلك سائر العبادات: الإخفاء أفضل في تطوعها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة، من اقتداء الناس به، فمن تصدق لجهة عامة أو لمشروع خيري، أو لأي أمر عام مثلا، فلا بأس من إعلان صدقته أو مشاركته ومساهمته، لترغيب الناس، وللاقتداء به، وليكون أدعى للتسابق في الخيرات.
ويؤكد التخيير ما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر والحاكم عن معاذ: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصدقة» . ويؤكد أفضلية الإسرار بصدقة التطوع ما ذكرناه وهو
ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، ومنهم:«ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»
وروى أحمد وابن أبي حاتم عن أبي أمامة: «أن أبا ذرّ قال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة سرّ إلى فقير، أو جهد من مقلّ، ثم قرأ الآية:
وروى الطبراني مرفوعا: «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب» . ودليل إعلان الصدقة المفروضة: ما روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: «جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها، يقال: بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها، يقال: بخمسة وعشرين ضعفا.
وأما الصدقة الواجبة (الزكاة): فأكثر العلماء على أن إظهارها أفضل من إسرارها؛ لأن الفرائض لا يدخلها رياء، والنوافل عرضة لذلك،
أخرج مسلم في صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ومن هنا قيل: صلاة النفل فرادى أفضل، والجماعة في الفرض أبعد عن التّهمة. بل إن إظهار الفرائض أمر لا بد منه لإقامة شعائر الدين، وفيه الدلالة على قوة الإسلام، كما أن فيه الأخذ والعمل بمبدإ القدوة الحسنة.
وتجوز صدقة التطوع للمسلم والكافر، والبر والفاجر، والفقير والغني، لأن الله تعالى قال:{وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} فقد أطلق كلمة {الْفُقَراءَ} ولم يقيدها بفقراء المسلمين، وجعل الخيرية في إعطائها للفقير، ولم يمنعها عن الغني،
وورد في الصحيحين: «في كل كبد حرّى رطبة أجر» أي أن رحمة جميع المخلوقات مدعاة للثواب. وأما الزكاة المفروضة وزكاة الفطر فهي خاصة بالمسلمين وبالفقراء، لقوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ}
ولحديث معاذ حينما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم واليا إلى اليمن: «خذها من أغنيائهم، وردها في فقرائهم»
(1)
.
(1)
رواه الجماعة عن ابن عباس.