الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج ابن أبي حاتم عن السّدّي عن أبي مالك قال: كانت اليهود تقول أحبارهم للذين من دونهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم فأنزل الله: {قُلْ: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ} .
المناسبة:
ذكر الله تعالى سابقا موقفا لأهل الكتاب وهو الإعراض عن الحق، وذكر هنا موقفا آخر وهو شدّة حرصهم على إضلال المؤمنين.
التفسير والبيان:
أحبّت طائفة من الأحبار والرؤساء إيقاع الضلال بين المسلمين، بزرع الشّبهات ومحاولة كسب بعض المسلمين بإدخالهم في دينهم، ولكنهم خائبون، فهم لا يضلون إلا أنفسهم وما يعود وبال الإضلال إلا عليهم، إذ شغلوها بما لا يجدي، بل بما يضرّ، ويوقعهم في الإثم والمعصية، وما يشعرون بذلك وما يفطنون إلى سوء حالهم، وفي هذا نهاية الذّم والاحتقار لهم. والآية نظير قوله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً.} . [البقرة 109/ 2].
يا أهل الكتاب (اليهود والنصارى): لأي سبب تكفرون بالآيات الدّالة على صدق نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنتم تشهدون بصحّتها، بما جاء في كتبكم من نعته والبشارة به.
يا أهل الكتاب لم تخلطون الحقّ الذي جاء به الأنبياء بالباطل الكذب الذي لفّقه أحباركم ورؤساؤكم بتأويلاتهم الفاسدة، وبإلقاء الشّبه، والتّحريف والتّبديل، وأنتم تكتمون شأن محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مكتوب عندكم في التّوراة والإنجيل وهو البشارة بنبيّ من بني إسماعيل يعلّم الناس الكتاب والحكمة، وأنتم تعلمون أنكم مخطئون مبطلون، وتفعلون ذلك حسدا وعنادا.
ثمّ ذكر نوعا آخر من مكرهم وكيدهم: وهو أن طائفة منهم كما بان في سبب النزول المتقدم أظهروا الإسلام في أول النّهار فصلّوا مع المسلمين صلاة الصّبح، ثم ارتدّوا عنه في آخره، ليلبسوا على الضعفاء والجهلة من الناس أمر دينهم، فيقولوا: إنما ردّهم إلى دينهم اطّلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين، ولهذا قالوا:{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عنه. ولم يدروا أن من عرف الحقّ لم يرجع عنه، سأل هرقل أبا سفيان عن شؤون محمد صلى الله عليه وسلم: هل يرجع عنه من دخل في دينه؟ فقال أبو سفيان: لا.
ومن تتمة كلام اليهود أن قالوا لبعضهم زعما منهم أنّ النّبوة لا تكون إلا فيهم
(1)
: أسرّوا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم، دون المسلمين، لئلا يزيدهم ثباتا على دينهم، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام، أي أن المعنى كتم التصديق بأن للمسلمين من كتاب الله مثل أهل الكتاب. وقال ابن كثير: لا تطمئنوا أو تظهروا سرّكم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم، ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين، فيؤمنوا به ويحتجّوا به عليكم، فالمعنى حجب أسرارهم عن المسلمين.
ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجّونكم يوم القيامة بالحق، ويغالبونكم عند الله تعالى بالحجّة. وقال ابن كثير في تفسير ذلك: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلّموه منكم، ويساووكم فيه، ويمتازوا به عليكم لشدّة الإيمان به، أو يتّخذوه حجّة عليكم بما في أيديكم، فتقوم به عليكم الدّلالة، وتترتب الحجة في الدّنيا والآخرة.
وتخلل ذلك جملة اعتراضية: وهي أن الهدى هدى الله، فمن شاء الله هدايته
(1)
قوله: وَلا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ: من جملة قول اليهود؛ لأنه معطوف على كلامهم، وهو الظاهر، قال ابن عطية: ولا خلاف في ذلك.