الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر 7/ 40 - 9].
والحساب من الله لعباده: أن يطلعهم على جميع أعمالهم، ثم يسألهم: لم فعلوها؟.
فقه الحياة أو الأحكام:
تتضمن الآية إنذارا وتخويفا شديدا من الحساب الإلهي، لكون الإنسان مملوكا لله، والله مطلع على كل أفعاله، محاسب له على جليل الأعمال وحقيرها، مما أدى إلى إيقاع الرهبة في النفوس والإشفاق عليها من شدة العذاب، وتفويض أمره مطلقا إلى الله وحده؛
أخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال: لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ، يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جثوا على الرّكب، فقالوا: أي رسول الله، كلّفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا، وإليك المصير؟» . فلما قرأها القوم وذلّت (لانت) بها ألسنتهم، أنزل الله في إثرها:
{آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ.} . الآية. فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل الله:{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها} الآية.
وظاهر قوله: «نسخها الله» يدل على نسخ هذه الآية بالآية التي بعدها وهي: {لا يُكَلِّفُ اللهُ.} . وقد فهم بعض المفسرين
(1)
من ذلك أن هذه الآية
(1)
وهم الإمام علي وابن عمر وابن مسعود وكعب الأحبار والشعبي والنخعي ومحمد بن كعب القرظي وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة وآخرون من الصحابة والتابعين.
منسوخة؛ لأنها تثبت الحساب على الوساوس وخواطر النفوس. والراجح أن الآية غير منسوخة، وأن المراد من قوله:«نسخها الله» : أزال ما أخافهم، وأن آية:{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها} ليست ناسخة، ولكنها موضحة، أيدها
الحديث الذي رواه الجماعة في كتبهم الستة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلّم أو تعمل» ، وقد قال ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد: إن الآية محكمة مخصوصة، وهي في معنى الشهادة التي نهى الله عن كتمها، ثم أعلم في هذه الآية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب.
ويدل على منع القول بالنسخ الأدلة التالية:
1 -
إن قوله تعالى: {يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} خبر، والأخبار لا تنسخ عند جمهور الأصوليين.
2 -
إن كسب القلب وعمله مما دل الكتاب والسنة والإجماع والقياس على ثبوته والجزاء عليه، ظهر أثره على الجوارح أم لم يظهر، كقوله تعالى:
{لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة 225/ 2] وقوله: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً} [الإسراء 36/ 17].
3 -
إن الوساوس العارضة وحديث النفس الذي لا يصل إلى درجة القصد الثابت والعزم الراسخ لا يدخل في مفهوم الآية، كما قال المحققون.
4 -
إن تكليف ما ليس في الوسع ينافي الحكمة الإلهية.
5 -
لا يظهر معنى للنسخ وهو تغيير الحكم لتغير مصلحة المكلفين؛ لأن ما في النفس لا يتغير ولا يختلف باختلاف الأزمنة والأحوال.