الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكون هذه الآية أطول آية في القرآن الكريم دليل على أن المال في ذاته ليس مبغوضا عند الله، وعلى أن الإسلام معني باقتصاديات الأمة، وأنه دين ودولة وحياة ونظام مجتمع، وليس دين رهبنة وفقر، وانعزال عن الحياة، فتنظيم التعامل بين الناس، وتبيان طريق حفظ الحقوق، وتعاطي التجارة وتنمية المال، يدل كل ذلك على أن الإسلام دين عمل وجهد وكفاح، وحرص على الكسب والربح من أوجه الحلال،
روى أحمد والطبراني من حديث عمرو بن العاص: «نعمّا المال الصالح للمرء الصالح» .
وأما البذل في المصالح العامة وتحريم الربا فهو عنوان على تضامن الأمة وتراحمها، ونبذها الظلم والاستغلال والكسب من غير جهد وكدّ وعمل. وأما ذمّ الدنيا أو المال في بعض الآيات والأحاديث: فإنما هو عند نسيان جانب الآخرة، واستعباد المال صاحبه، فيبخل في إنفاقه، ولا يبالي في جمعه من طريق حلال أو حرام، قال تعالى:{إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ، وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن 15/ 64] وقال سبحانه: {اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ، وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ، ثُمَّ يَهِيجُ، فَتَراهُ مُصْفَرًّا، ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ، وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ} [الحديد 20/ 57]. و
روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم» .
التفسير والبيان:
يا من اتصفتم بالإيمان إذ تعاملتم بالدّين المؤجل في الذمة بيعا أو سلما أو قرضا، كبيع شيء بثمن مؤجل، أو بيع سلعة مؤجلة إلى أجل مسمى مع بيان الجنس والنوع والقدر، بثمن معجل وهو المسمى بالسلم أو السلف، وقرض مبلغ من المال، إذا تعاملتم ببدل مؤجل، فاكتبوا ما يدل على هذا التعامل، مع بيان الأجل بالأيام أو بالأشهر أو بالسنين، أي بكونه معلوما، لا بالتأجيل إلى
الحصاد والدياس مما لا يرفع الجهالة في رأي الجمهور؛ لأن الكتابة أوثق في ضبط المتفق عليه، وأرفع للنزاع.
ثم بيّن الله كيفية الكتابة وعين من يتولاها: بأن يكتب كاتب مأمون عادل محايد، فقيه متدين يقظ: الحقّ دون ميل لأحد الجانبين، مع وضوح المعاني، وتجنب الألفاظ المحتملة للمعاني الكثيرة، فهو كالقاضي بين الدائن والمدين. وهذا يدل على اشتراط العدالة في الكاتب.
ثم أوصى الكاتب ونهاه عن الإباء: فلا يمتنع أحد من الكتاب عن كتابة وثيقة الدين، ما دام يمكنه ذلك، على الطريقة التي علمه الله في كتابة الوثائق، أو كالتي علمه الله، فالكاف صفة لموصوف محذوف، فلا يزيد ولا ينقص ولا يضر أحدا، والكتابة نعمة من الله عليه، فمن شكرها ألا يمتنع عنها، وإن كانت بأجر، وهذا يدل على اشتراط كون الكاتب عالما بالأحكام الشرعية والشروط المرعية عرفا ونظاما. وقدّم اشتراط العدالة على العلم؛ لأنها أهم من العلم.
فالعادل يمكنه تعلم ما تتطلبه كتابة الوثائق، وأما العالم غير العادل فلا يهديه علمه للعدالة، وإنما يفسد ولا يصلح.
ودل قوله: {وَلا يَأْبَ} على أن العالم العادل إذا دعي للقيام بالكتابة ونحوها، وجب عليه تلبية الدعوة، ثم أكد الله تعالى النهي عن الإباء بالأمر بالكتابة بالحق، لكون الوثيقة متعلقة بحفظ الحقوق.
ثم أرشد الله تعالى إلى أن الذي يتولى إملاء البيانات على الكاتب إنما هو المدين، فإنه المكلف بأداء مضمون الكتابة، ليكون بيانه وإملاؤه حجة عليه، ثم أوصاه تعالى بأمرين: هما تقوى الله في الإملاء، بأن يذكر ما عليه كاملا، وألا ينقص من الحق الذي عليه شيئا.
ويلاحظ أن الكاتب أمر بالعدل فلا يزيد ولا ينقص، والمدين نهي عن