الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
أرشدت الآية السابقة المؤمنين إلى إعطاء الفقراء عامة، مسلمين وغير مسلمين، وصرحت هذه الآية بإباحة صدقة التطوع لغير المسلمين، سواء أكانوا مشركين أم من أهل الكتاب (اليهود والنصارى)؛ لأن الله تعالى يرزق المؤمن والكافر من خير الدنيا، وشأن المؤمن أن يتخلّق بأخلاق الله، وأن يكون خيره عاما للناس؛ إشعارا بحبّ الخير والنّفع للبشرية، وإدلالا على توافر صفة الرحمة والمحبة في قلب المسلم لكل إنسان، وإبعادا للعصبية الدّينية التي من شأنها التهديم والتفريق والفتنة، وزرع الأحقاد والضغائن، والتنفير من قبول الإسلام ذاته القائم على التسامح، وترك أمر الهداية للدين لله تعالى، فإن الهداية من الله، وتقتضي الشفقة إعطاء المحتاج أيّا كان دينه.
التفسير والبيان:
ليس عليك أو لا يجب عليك يا محمد أن تقود الناس إلى هداية الإسلام كرها، وإنما عليك البلاغ والإرشاد إلى الدين فقط، فتبشر من أطاع بالجنة، وتنذر من عصى بالنار، وأمر الهداية بمعنى التوفيق إلى الخير والسعادة والاهتداء إلى الإسلام مردّه إلى الله، بما وضع في النفوس من العقول، وما أبانه لهم من سنن وأدلّة ترشدهم إلى الدين الحق، فأمر يا محمد بالصدقة إلى كل من سألها من كل دين.
وثواب الصدقة وإنفاق المال في سبيل الله عائد بذاته لأنفسكم، ولا ينتفع به غيركم في الدنيا والآخرة. أما في الدّنيا فيصون المال، ويحصّن الثروة، ويحميكم من أذى الفقراء بالنّهب والسلب والسرقة؛ لأن الجائع يستبيح لنفسه كل شيء.
وأما في الآخرة فثوابه لكم بدخول الجنة وتكفير بعض السيئات والذنوب.
وإنكم لا تنفقون إلا طلبا لرضوان الله، لا لمصلحة دنيوية أو لإرضاء
الشيطان، وعلى ذلك فلا فرق بين فقير وفقير أيّا كان دينه، ولا داعي للمنّ والأذى، أو الرياء والسمعة؛ لأنك تقصد بنفقتك وجه الله وحده، وفعل الخير المحض، دون انتظار ثناء، أو جزاء الناس في الدّنيا،
قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص في الحديث الصحيح: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلاّ أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك» أي فمها.
ثم أكّد سبحانه الآية السابقة: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} بمؤكّدين:
الأول-قوله: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أي يصلكم ثوابه كاملا غير منقوص في الآخرة.
الثاني-قوله: {وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} أي لا يضيع عليكم منه شيء، ولا تبخسون منه شيئا، فيكون ذلك البخس ظلما، كقوله تعالى:{فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ} [الأنبياء 47/ 21].
وكلّ هذا يدل على أن الإنفاق يكون للفقراء عامة، مسلمين أو غير مسلمين، وذلك نحو قوله تعالى:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} .
{إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ، لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان 8/ 76 - 9].
والأسير في دار الإسلام لا يكون عادة إلا مشركا وقوله تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة 8/ 60].
ويؤيد ذلك
ما روي في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال رجل: لأتصدقنّ الليلة بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية، فأصبح الناس يتحدّثون: تصدّق على زانية، فقال: اللهم لك الحمد: على زانية! لأتصدقنّ الليلة بصدقة، فوضعها في يد غني، فأصبحوا