الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
إن نظرة الإنسان في الغالب آنية وقتية، لا ينظر إلى المستقبل البعيد، ولا يقارن بين الباقي الدائم والمنقطع الموقت، لذا كان القرآن أكبر مساعد للعقل على التزام جادة التفكير السوي والاستقامة. فإن الخالد المستمر أفضل من الذي يزول بسرعة، وهكذا كانت هذه الآية مع الآية السابقة مقارنة مبينة ما هو الأصلح للإنسان، تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها.
وهذه الآية والتي قبلها نظير
قوله عليه الصلاة والسلام: «تنكح المرأة لأربع: لما لها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك»
(1)
.
والذي هو خير من الدنيا وشهواتها وكل ما فيها هو جنان الخلد وما فيها من متع خالصة كالحور العين والولدان المخلدين، وعبر عن الحور بالأزواج المطهرة المبرأة من عيوب نساء الدنيا خلقا وخلقا، وهو أيضا الفوز برضوان الله، وهو أعظم المتع كلها في الآخرة عند أهل التقوى،
فإذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى لهم: «تريدون شيئا أزيدكم؟» فيقولون: يا ربنا، وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول:«رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدا»
(2)
.
والجمع بين الجنات والرضوان الإلهي يشير إلى أن أهل الجنة درجات، كما أن أهل النار في دركات، فمن أهل الجنة: من يرغب في لذات الدنيا الحسية، ومنهم من ارتقى إدراكه واشتد اهتمامه بقربه من ربه، فيتمنى رضاه ويفضله على أي شيء سواه.
(1)
أخرجه مسلم وغيره عن أبي هريرة، ومعنى: تربت يداك: افتقرت، ولا يراد بها الدعاء، وإنما يراد الحث والتحريض.
(2)
أخرجه مسلم.
والقصد من قوله: {آمَنّا} في دعاء المتقين: الإيمان الصحيح الذي تصدر عنه آثاره من ترك المعاصي وفعل الصالحات، إذا الإيمان: اعتقاد وقول وعمل.
وصرحت الآية بصفات المتقين: وهي الإيمان، والصبر، والصدق، والقنوت (الخشوع والطاعة) والإنفاق في سبيل الله، والاستغفار بالأسحار:
وهو الصلاة في آخر الليل (أي التهجد) وسؤال المغفرة، فإن المستغفرين بالأسحار يصلون ويستغفرون. وخص السحر بالذكر؛ لأنه مظانّ القبول ووقت إجابة الدعاء.
سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل: «أي الليل أسمع؟» فقال:
«لا أدري غير أن العرش يهتزّ عند السحر» . والسحر: من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر، وقيل: هو سدس الليل الأخير. والأصح من هذا:
ما روى الأئمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني، فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر»
(1)
. ووضحت وقت السحر
رواية النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد: «إن الله عز وجل يمهل، حتى يمضي شطر الليل الأول..» وكان عبد الله بن عمر يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع، هل جاء السحر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح
(2)
.
والاستغفار: طلب المغفرة باللسان مع حضور القلب؛ لأن الله لا يستجيب دعاء غافل، لاه، معرض قلبه عن الله.
(1)
هذا لفظ مسلم، وتأول القرطبي أول الحديث:«ينزل الله..» بأنه من باب حذف المضاف، أي ينزل ملك ربنا، فيقول. ويرى أهل السلف: أن هناك نزولا يليق بذات الله من غير تحديد بمكان وكيفية، وهو أولى.
(2)
رواه ابن أبي حاتم.