المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فقه الحياة أو الأحكام: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٣

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌درجات الرسل وأحوال الناس في اتباعهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بالإنفاق في سبيل الخير

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌آية الكرسي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌منع الإكراه على الدين والله هو الهادي إلى الإيمان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (256):

- ‌نزول الآية (257):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة النّمروذ الملك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة العزير وحماره

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حبّ الاستطلاع عند إبراهيم عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ثواب الإنفاق في سبيل الله وآدابه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الإنفاق لمرضاة الله والإنفاق لغير وجه الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنفاق الطيب من الأموال لا الخبيث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخويف الشيطان من الفقر والفهم الصحيح للقرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صدقة السر وصدقة العلن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌لمفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مستحقو الصدقات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌1 - نزول الآية (272):

- ‌2 - نزول الآية (273):

- ‌3 - نزول الآية (274):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌ثم بيّن الله تعالى أحقّ الناس بالصدقة وهم الفقراء بالصفات الخمس التالية:

- ‌الصفة الأولى-الإحصار في سبيل الله:

- ‌الصفة الثانية-العجز عن الكسب:

- ‌الصفة الثالثة-التّعفف:

- ‌الصفة الرابعة-القرائن المميزة لهم:

- ‌الصفة الخامسة-عدم السؤال أصلا وعدم الإلحاح في السؤال:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرّبا وأضراره على الفرد والجماعة

- ‌الإعراب::

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآيتين (278 - 279):

- ‌نزول الآية (280):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌مراحل تحريم الرّبا:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الموضوع الأول:

- ‌الموضوع الثاني:

- ‌سبب تحريم الربا:

- ‌الموضوع الثالث-نظرية الميسرة:

- ‌الموضوع الرابع-جزاء الإيمان والعمل الصالح:

- ‌الموضوع الخامس-التحذير من أهوال يوم القيامة:

- ‌آية الدين وآية الرهنتوثيق الدين المؤجل بالكتابة أو الشهادة أو الرهن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌مقبول الشهادة ومرفوضها:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌انطباعات عامة مستفادة من آية الدين:

- ‌لله ملك السموات والأرض وإحاطة علمه بكل شيءومحاسبة العباد على أفعالهم ونواياهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الإيمان برسالات الرسل والتكليف بالطاقة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌فضل هاتين الآيتين:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة آل عمران

- ‌مدى صلتها بسورة البقرة:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌سبب التّسمية:

- ‌فضلها:

- ‌إثبات التوحيد وإنزال الكتاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المحكم والمتشابه في القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌ والمتشابه:

- ‌والمحكم:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نماذج من المتشابه:

- ‌متبعو المتشابه:

- ‌عاقبة الكفار المغرورين بالمال والولد ومثال ذلك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (12 - 13):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محبة الشهوات في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌ثم ذكر الله تعالى أصنافا ستة من المشتهيات والملاذ وهي:

- ‌1 - النساء:

- ‌2 - البنون:

- ‌3 - القناطير المقنطرة من الذهب والفضة:

- ‌4 - الخيل المسوّمة:

- ‌5 - الأنعام:

- ‌6 - الحرث:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الجنات التي هي خير من الدنيا ومفاتنها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الشهادة بوحدانية الله وقيامه بالعدل ونوع الدين المقبول عند الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء قتل الأنبياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إعراض أهل الكتاب عن حكم الله

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (23 - 24):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دلائل قدرة الله وعظمته وتصرفه في خلقه والتفويض إليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موالاة الكافرين والتحذير من الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محبّة الله باتّباع الرّسول وطاعته

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اصطفاء الأنبياء وقصة نذر امرأة عمران ما في بطنها لعبادة الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة زكريا ويحيى(دعاء زكريا وطلبه الولد الصالح وإنجاب يحيى)

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة زكريا عليه السلام:

- ‌قصة يحيى عليه السلام:

- ‌قصة مريم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة عيسى عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عيسى مع قومه المؤمنين والكفار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرّدّ على من زعم ألوهية عيسى والمباهلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الدّعوة إلى توحيد الله وعبادته وملّة إبراهيم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآيات (65 - 67):

- ‌نزول الآية (68):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌المحاجّة في انتماء إبراهيم:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محاولة بعض أهل الكتاب إضلال المسلمينوالتلاعب بالدين والعصبية الدينية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (69):

- ‌نزول الآية (72):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أداء الأمانة والوفاء بالعهد عند بعض أهل الكتاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أكاذيب اليهود:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌افتراء أهل الكتاب على الأنبياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ميثاق الأنبياء بتصديق بعضهم بعضا وأمرهم بالإيمان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الإيمان بكل الأنبياء وقبول دين الإسلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول، نزول الآية (85):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع الكفار من حيث التوبة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول: نزول الآية (86):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نوع النفقة المبرورة وجزاء الإنفاق

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الذي نوحيه إليك على يد جبريل الروح الأمين، لتكون دليلا على صحة نبوتك، وإلزام المعاندين لك. فهذا تقرير وتثبيت أن ما علمه من ذلك إنما هو بوحي من الله تعالى، والمعلم به قصتان: قصة مريم، وقصة زكريا.

وما كنت حاضرا معهم حينما جاءت امرأة عمران، وألقت مريم في بيت المقدس، وتنافس الأحبار في رعايتها وخدمتها، فهي بنت سيدهم وكبيرهم، وأخذوا يستهمون (يقترعون) في ذلك، فجاءت القرعة لزكريا، فكان كافلها.

وما كنت شاهدا عليهم إذ يتنازعون ويتخاصمون في كفالتها، ولم يتفقوا عليها إلا بعد القرعة. وإذ لم تعلم بهذه القصة ولا قومك لأنك أمي مثلهم، فلم يبق لك طريق للعلم إلا الوحي من الله تعالى. أما المشاهدة للخصومة فقد نفاها الله تعالى على سبيل التهكم. وهي كما قال تعالى:{تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ، ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا} [هود 49/ 11].

وأما تعليم البشر-كما زعموا-فرده الله تعالى بقوله: {لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل 103/ 16] وهو النبي الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب.

وهذه الآية مثل المذكور عقب قصة نوح عليه السلام: {تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ، ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا} [هود 49/ 11] والمذكور بعد قصة موسى وشعيب: {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ} [القصص 44/ 28].

‌فقه الحياة أو الأحكام:

أرشدت الآية إلى تفضيل السيدة مريم عليها السلام على نساء العالمين أجمع في قول الزجاج وغيره، وعلى عالمي زمانها في قول أكثر المفسرين. وكرر الاصطفاء؛ لأن معنى الأول: الاصطفاء لعبادته، ومعنى الثاني لولادة عيسى.

ص: 225

روى مسلم والجماعة إلا أبا داود عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران، وآسية امرأة عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» .

والكمال: هو التناهي والتمام، وكمال كل شيء بحسبه، والكمال المطلق إنما هو لله تعالى خاصة. ولا شك أن أكمل نوع الإنسان: الأنبياء ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين.

وروي من طرق صحيحة أنه عليه الصلاة والسلام-فيما رواه الترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة وأنس بن مالك: «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»

وفي رواية أخرى: «سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم: فاطمة وخديجة» .

فهذه الأحاديث تدل على فضيلة مريم وأن روح القدس كلمها، وظهر لها، ونفخ في درعها، ودنا منها للنفخة، وصدقت بكلمات ربها، ولذلك سماها الله في تنزيله صدّيقة فقال:{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} وقال: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ، وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ} [التحريم 12/ 66].

ودلت الآية على أن مريم كانت كثيرة العبادة والخشوع والركوع والسجود والدأب في العمل، مما هيأها لمحنة لها ورفعة في الدارين.

ودل قوله تعالى: {ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أخبره الله عن قصة زكريا ومريم، ولم يكن قرأ الكتب، وأخبر الناس عن ذلك، وصدّقه أهل الكتاب بذلك. والإيحاء هنا: الإرسال إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.

واستدل بعض علماء المالكية بهذه الآية {وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ..} .

على إثبات القرعة، وهي في أصل شرعنا لكل من أراد العدل في القسمة، وهي

ص: 226

سنة عند جمهور الفقهاء في المستويين في الحجة ليعدل بينهم، وتطمئن قلوبهم، وترتفع الظّنّة عمن يتولى قسمتهم، ولا يفضل أحد منهم على صاحبه إذا كان المقسوم من جنس واحد اتباعا للكتاب والسنة. وردّ العمل بالقرعة أبو حنيفة وأصحابه، وردوا الأحاديث الواردة فيها، وأنها تشبه الأزلام التي نهى الله عنها.

وأجيبوا بالآثار والسنة، قال أبو عبيد: وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء:

يونس وزكريا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا»

(1)

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه.

ودلت الآية أيضا على أن الخالة أحق بالحضانة من سائر القرابات ما عدا الجدّة،

وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة-واسمها أمة الله-لجعفر، وكانت عنده خالتها، وقال فيما رواه الترمذي والشيخان عن البراء:«الخالة بمنزلة الأم» وكان زكريا قد قال لأحبار بيت المقدس: ادفعوها لي فإن خالتها تحتي، فأبوا واقترعوا عليها بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة فقرعهم زكريا، فكفلها.

وكيف تمت القرعة؟ لما نذرت امرأة عمران والدة مريم ما في بطنها لخدمة الهيكل، جاءت بها إلى خدام الهيكل، فكل واحد منهم أراد أن يكفلها وألقوا قرعة على ذلك، فكانت مريم نصيب زكريا، فقام بأمرها كما قال تعالى:

{وَكَفَّلَها زَكَرِيّا} .

قال بعض العلماء: الحكمة في أنّ الله لم يذكر في القرآن امرأة باسمها إلا (مريم):

هي الإشارة من طرف خفي إلى رد ما قاله النصارى من أنها زوجته، فإن العظيم يأنف من ذكر اسم زوجته بين الناس، ولينسب إليها عيسى باعتبار عدم وجود أب له، ولهذا قال في الآية التالية:{اِسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} .

(1)

حديث صحيح رواه أحمد والشيخان والنسائي.

ص: 227