الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلاغة:
{أَأُنَبِّئُكُمْ} استفهام تقرير.
{بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ} إبهام الخير لتفخيم شأنه والتشويق لمعرفته.
{لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ} عبّر بكلمة الرب، وأضافها لضمير المتقين لإظهار مزيد اللطف بهم.
المفردات اللغوية:
{أَأُنَبِّئُكُمْ} أخبركم {مِنْ ذلِكُمْ} المذكور من الشهوات {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} الشرك {مُطَهَّرَةٌ} طاهرات من الفواحش والحيض والنفاس {وَرِضْوانٌ} رضا كثير {وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} عالم بهم، فيجازي كلا منهم بعمله.
{الصّابِرِينَ} على الطاعة وعن المعصية، والصبر: حبس النفس عند كل مكروه يشق عليها احتماله {وَالصّادِقِينَ} في الإيمان. والصدق يكون في القول والعمل، والصفة كالحب {وَالْقانِتِينَ} المداومين على الطاعة والعبادة.
{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ} أي المصلين وقت السحر، القائلين: اللهم اغفر لنا.
{بِالْأَسْحارِ} أواخر الليل، جمع سحر: وهو الوقت الذي يختلط فيه ظلام آخر الليل بضياء النهار.
المناسبة:
هذه الآية تفضيل وتفصيل، فهي تبين الأفضل من زخارف الدنيا وزينتها التي تشتمل على فضيلة إن استعملت في خير وحق ولم تؤد إلى إهمال الواجب نحو الله. وهي تفصل المراد من قوله تعالى:{وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} الذي أبهم فيه الخير تفخيما لشأنه وتشويقا إليه، ثم وضح بقوله تعالى:{لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ} .
التفسير والبيان:
قل لهم يا محمد: أأخبركم بما هو خير من جميع الأصناف المذكورة للشهوات؟
وعبر بالاستفهام التقريري لاجتذاب الأنظار وتشويق النفوس إلى الجواب. ثم أجاب عن الاستفهام: للمتقين: جنات تجري من تحتها الأنهار، ماكثين فيها أبدا، وزوجات طاهرات من النقائص والفواحش والشوائب كالحيض والنفاس.
وهذا نعيم جسدي مادي: وهو الجنة، ولهم أيضا نعيم روحاني وهو رضوان الله الذي لا يشوبه شيء، وهو أعظم وأكبر من كل نعمة ولذة مادية. وقد بدأ بذكر المقر وهو الجنات، ثم ذكر ما يحصل به الأنس التام من الأزواج المطهرة، ثم ذكر ما هو أعظم الأشياء وهو رضا الله عنهم، فحصل بمجموع ذلك اللذة الجسمانية والفرح الروحاني حيث علم برضا الله عنه.
وقوله: للذين اتقوا عند ربهم جنات: جواب عن الاستفهام، وكلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من أصناف الشهوات، سواء استعملت في محالها ومواضعها التي خلقت من أجله: وهي تحقيق حوائج الناس، أو أسيء استعمالها، وقرن بها الشر والفساد، كما تقول: هل أدلك على رجل عالم، أو تاجر صدوق في السوق؟ هو فلان.
هذه الآية التي اشتملت على بيان نوعين من الجزاء: المادي وهو الجنة والأزواج، والروحي وهو رضوان الله، تشبه قوله تعالى:{وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ، وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة 72/ 9] وقوله: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ، وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ} [الحديد 20/ 57].
ثم ختمت الآية بقوله: {وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} أي خبير بأحوالهم، وبأسرارهم، وحقيقة تقواهم، فيجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر، وفي هذا إيماء ليحاسب كل إنسان نفسه على التقوى، فليست التقوى بالمظاهر، وإنما
المتقي: من يعلم منه ربه التقوى. وهذه الجملة وعد ووعيد. ولما ذكر المتقين ذكر شيئا من صفاتهم.
فذكر الله تعالى أوصاف المتقين، وهم الذين يقولون: ربنا إننا آمنا بما أنزلته على رسلك إيمانا ثابتا راسخا في القلب، مهيمنا على كل أعمالنا، فاستر ذنوبنا بعفوك، وادفع عنا عذاب النار، إنك أنت الغفور الرحيم.
وهم أيضا الصابرون على أداء الطاعات وترك المعاصي، الراضون بقضاء الله وقدره، ولا شك أن الصبر يقوي الإرادة، ويعصم النفس عن الانزلاق في الأهواء والشهوات والمنكرات.
وهم الصادقون في إيمانهم وأقوالهم وأفعالهم، يترجمون عنه بكل شيء حميد وخلق عال، كما قال تعالى:{وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ، وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر 33/ 39 - 34].
وهم القانتون المداومون على الخشوع والطاعة والضراعة إلى الله، وذلك لب العبادة وروحها. والمنفقون أموالهم في سبيل الله نفقة واجبة أو مستحبة.
والمستغفرون بالأسحار بالتهجد في آخر الليل، والدعاء بالمغفرة والرضا.
والاستغفار المطلوب: ما يقرن بالتوبة النصوح والعمل على وفق حدود الدين، ولا يكفي الاستغفار باللسان مع الإقامة على المعصية، فإن المستغفر من الذنب، وهو مقيم على معصيته، كالمستهزئ بربه.
وأفضل صيغة للاستغفار:
ما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيد الاستغفار أن تقول: «اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» .