الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة: فقال السدي: هي النبوة. وقال ابن عباس: هي المعرفة بالقرآن فقهه ونسخه ومحكمه ومتشابهه وغريبه ومقدّمه ومؤخره (أي العلم بأصول الفقه). وقال قتادة ومجاهد: الحكمة: هي الفقه في القرآن. وقال مجاهد: الإصابة في القول والفعل. وقال ابن زيد: الحكمة: العقل في الدّين. وقال مالك بن أنس: الحكمة: التفكر في أمر الله والاتّباع له، أو هي طاعة الله والفقه في الدين والعمل به. وكل هذه الأقوال تشترك في أن الحكمة: هي الفهم الصحيح والعلم النافع واتباع المعلوم المؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة
(1)
.
{خَيْراً كَثِيراً} لأن الحكمة أوصلته إلى السعادة الأبدية {وَما يَذَّكَّرُ} يتعظ، وأصله:
يتذكر، فأدغم التاء في الذال {أُولُوا الْأَلْبابِ} أصحاب العقول.
التفسير والبيان:
الشيطان عدو الإنسان من قديم، وهو الذي أقسم {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص 82/ 38 - 83] يوسوس للناس ويخوفهم من الفقر إذا تصدقوا أو أنفقوا في سبيل الله ويقول لهم: إن عاقبة إنفاقكم أن تفتقروا، ويحرضهم ويغريهم على البخل والإمساك إغراء الآمر للمأمور. والفاحش عند العرب:
البخيل. والوعد: يستعمل في الخير والشر، قال الله تعالى:{النّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحج 72/ 22]. وسمي ذلك التخويف وعدا: مبالغة في الإخبار بتحقق وقوعه، وكأن مجيئه بحسب إرادته، مع العلم بأن الوعد: هو الإخبار بما سيكون من جهة المخبر، والشيطان لم يقل: إني سأفقركم.
ويوضح هذا التخويف:
ما رواه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للشيطان لمّة
(2)
بابن آدم، وللملك لمّة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد
(1)
البحر المحيط: 320/ 2
(2)
اللّمّة: المس والشيء القليل من الجن، والمراد: الخطرة التي تقع في القلب بوسوسة الشيطان أو الملك.
الأخرى، فليتعوذ من الشيطان» ثم قرأ:{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ، وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً}
(1)
.
والله تعالى في مقابلة إغراءات الشيطان ووساوسه وأمره بالفحشاء (البخل) يعدكم على لسان نبيكم مغفرة بسبب الإنفاق لذنوبكم، وتعويضا وإخلافا في الدنيا لما أنفقتموه، والفضل: المال والخير، والله واسع الرحمة والفضل، فيحقق ما وعدكم به، وهو عليم بما تنفقون، فيجازيكم عليه أحسن الجزاء، كما قال تعالى:{وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ} [سبأ 39/ 34]
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» أي أن الأول يعوضه الله بتسهيل أسباب الرزق له، والآخر يذهب ماله.
والله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء من عباده، وليست الحكمة على الصحيح النبوة، ولكنها كما قال الجمهور: العلم والفقه والقرآن، فهي لا تختص بالنبوة، بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخص، وذلك يرشد إلى تمييز الحقائق من الأوهام، والتفرقة بين الوسواس والإلهام. وآلة الحكمة: العقل، فمن عرف ما في القرآن من أحكام وأسرار، وأدرك بسلامة عقله ما في الإنفاق من فوائد تعود على الأمة بالخير وعلى المنفق بالثواب الجزيل، لم يتأثر بوساوس الشيطان، ولم يتردد في البذل والإنفاق في سبيل الله.
عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها»
(2)
.
ومن يوفقه الله للعلم النافع، وعلى التخصيص فهم القرآن والدين، ويرشده
(1)
وهكذا رواه الترمذي وقال: حسن غريب، والنسائي، وابن حبان في صحيحة.
(2)
رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.