الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالوا على الله الكذب والبهتان، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى أتى عليه الفناء؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى. قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا: لا. قال: فإن ربنا صوّر في الرّحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته، كما تضع المرأة ولدها، ثم غذّي كما يغذّى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟ قالوا: بلى. قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا، فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران، إلى بضعة وثمانين آية منها.
التفسير والبيان:
بدأ الله تعالى السورة بإثبات التوحيد أساس الدين لينفي عقيدة التثليث، ثم أبان أنه تعالى أنزل الكتب على الأنبياء، وأن عيسى نبي مثلهم فهو منزل عليه، وأن الله هو صاحب القدرة المطلقة الذي يصور في الأرحام، ليرد على ولادة عيسى من غير أب، إذ الولادة من غير أب ليست دليلا على الألوهية، فآدم مخلوق من غير أب ولا أم، والخالق هو الإله، والمخلوق عبد كيفما خلق.
ألم: الحروف المقطعة لتحدي العرب بالإتيان بشيء من مثل القرآن، ما دام هو مكوّنا من لغتهم ومن الحروف التي ينطقون بها وتتركب منها كلماتهم.
الله لا معبود بحق في الوجود سواه؛ لأنه الخالق المسيطر على الكون والنفوس، ولأنه مصدر الخير ودافع الضر، الحي الدائم الحياة التي لا أول ولا نهاية لها، القائم على خلقه بالتدبير والتصريف، وعلى السموات والأرض قبل خلق عيسى، فكيف قامت ودبّرت قبل وجوده وبعد موته؟!
والله هو الذي نزّل القرآن عليك يا محمد بالحق الذي لا شك ولا شبهة فيه، مصدقا ومؤيدا ما تقدمه من الكتب المنزلة على الأنبياء السابقين، وهو تصديق إجمالي لا تفصيلي في أصل الوحي وأصل الرسالة الداعية إلى توحيد الإله ومكارم الأخلاق، والإخبار والبشارة، فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت قديما، وهو يصدقها؛ لأنه طابق ما أخبرت به وبشرت من الوعد من الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن العظيم عليه.
وأنزل التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى من قبل القرآن، هداية للناس في زمانهما، وإرشادا، فالله هو الذي أنزل الوحي والشرائع قبل وجود عيسى وبعده، وليس عيسى مصدر الوحي، وإنما هو كغيره من الأنبياء متلقّ للوحي، فكيف يكون إلها؟! وأنزل الله الفرقان: وهو الفارق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والغي والرشاد، بالدلائل والبينات الواضحات، والبراهين القاطعات.
إن الذين كفروا بآيات الله الواضحة الدالة على توحيده وتنزيهه عما لا يليق، أي جحدوا بها وأنكروها وردوها بالباطل، لهم عذاب شديد يوم القيامة بسبب كفرهم، والله منيع الجناب عظيم السلطان، ذو انتقام ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام، ينفذ بعزته مراده، وينتقم ممن خالف وحيه.
وإن الله لا يخفى عليه شيء في الكون، فيعلم حال الصادق في إيمانه، وحال الكافر والمنافق والمكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وعيسى وغيره لا يعلم شيئا من ذلك، فكيف يكون إلها؟ والله هو الذي يخلق الإنسان في الرحم كما يشاء، ذكرا أو أنثى، حسنا وقبيحا وغير ذلك من الطبائع والألوان والمقادير والسلامة والعاهة، وعيسى وغيره لا يصوّر أحدا في رحم ولا يخلق شيئا، بل هو مصوّر مخلوق في رحم أمه،