الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح من السماء، ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك، فأتى النّبي صلى الله عليه وسلم، فقال له:
أبشر بنورين قد أوتيتهما، لم يؤتهما نبيّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته».
التفسير والبيان:
أخبر الله تعالى عن نبيّه صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين بالإيمان بأصول الاعتقاد فقال:
صدّق الرسول محمد والمؤمنون برسالته، بالذي أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم من ربّه، من العقائد والأحكام تصديق يقين واطمئنان.
قال النّبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية فيما رواه الحاكم في مستدركه: «حقّ له أن يؤمن» .
كلّ منهم آمن بوجود الله ووحدانيته وتمام حكمته في خلقه، وبوجود الملائكة الذين لهم مهام عديدة منها السفارة بالوحي بين الله ورسله، وبالرّسل الكرام الذين أنزل الله عليهم كتبا وصحفا لهداية البشر، قائلين جميعا: لا نفرق بين الرّسل في الرّسالة والتّشريع من حيث المبدأ، وأن دعوتهم واحدة هي الإقرار بوجود الله ووحدانيته والدّعوة إلى مكارم الأخلاق. وأما التّفضيل بين الرّسل في آية سابقة:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} [البقرة 253/ 2]، إنما هو في مزايا أخرى غير الرّسالة والتّشريع. وفي هذا إشارة إلى فضيلة المؤمنين على غيرهم من أهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض الرّسل ويكفرون بالبعض الآخر.
وقال المؤمنون: بلّغنا الرّسول بالوحي، فسمعنا القول سماع تدبّر وفهم وقبول، وأطعنا الأوامر إطاعة إذعان وانقياد، معتقدين أن كل أمر ونهي إنما هو لسعادة الدّنيا والآخرة.
ويسألون الله تعالى المغفرة بالسّتر في الدّنيا وترك الجزاء في الآخرة، فأنت المتصرف في أمورنا وإليك المرجع والمآب، فتفعل فينا ما تشاء. قال جبريل:
«إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك، فسل تعطه، فسأل: {لا يُكَلِّفُ
اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها} إلى آخر الآية».
لا يكلّف الله أحدا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى ورأفته بهم، وهذه الآية هي التي أوضحت للصحابة ما أشفقوا منه في قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} أي أنه تعالى وإن حاسب وسأل، لكن لا يعذّب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها، فهذا لا يكلّف به الإنسان، علما بأن كراهية وسوسة السّوء من الإيمان.
ومنع التّكاليف الشّاقة والتّكليف باليسير مشار إليه في كثير من آي القرآن، نحو:{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة 185/ 2]، ونحو:
{وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج 78/ 22].
وللنّفس الإنسانيّة من الأعمال التي تدخل تحت التّكليف المحتمل غير الشّاق ما كسبت من خير وما اكتسبت من شرّ، ولها الثواب على الخير، وعليها العقاب على الشّر.
وأضيف الاكتساب إلى الشّر لبيان أنه يحتاج إلى تكلّف وعناء وتخطيط ومصادمة الطبيعة والأعراف، أما الخير فلا يحتاج إلى جهد كثير؛ لأنه مما أودع الله في طبع الإنسان، وترتاح النفس لفعله، ولا يحتاج إلى حذر وتدبير، ويقدم الإنسان عليه كلما صفت نفسه وأحسّت بضعفها أمام الخالق، وبفقرها إليه يوم المحنة الكبرى وكشف الحساب الدّقيق الشامل الرّهيب أمام الله والنّاس.
ثم أرشد الله تعالى عباده إلى هذا الدّعاء، وقد تكفّل لهم بالإجابة وهو:
{رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا} أي إن تركنا فرضا نسيانا، أو فعلنا حراما ناسين، أو أخطأنا الصواب في العمل جهلا منا بوجهه الشرعي، فلا تعاقبنا عليه، يؤيده
ما رواه ابن ماجه والبيهقي والطبراني والحاكم عن أبي ذرّ
وابن عباس وثوبان أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
- {رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً، كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} أي لا تكلّفنا من الأعمال الشاقة، وإن أطقناها، كما كلفت الأمم الماضية قبلنا كبني إسرائيل الذين كانت توبتهم بقتل التائب نفسه، وإيجاب ربع المال في الزّكاة، وقطع موضع النّجاسة من الثوب إذا تنجّس. أما رسالة النّبي صلى الله عليه وسلم ففيها التّخفيف والتّيسير والسّماحة والسّهولة؛ لأنه نبيّ الرحمة المهداة للأمم قاطبة،
روى الخطيب وغيره عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بعثت بالحنيفية السّمحة» .
- {رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} أي من التكليف والمصائب والبلاء، فلا تبتلينا بما لا قدرة لنا عليه من الفتن. {وَاعْفُ عَنّا} فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا. {وَاغْفِرْ لَنا} فيما بيننا وبين عبادك، فلا تظهرهم على عيوبنا وأعمالنا القبيحة. {وَارْحَمْنا} فيما يستقبل، فجنبنا بتوفيقك الوقوع في ذنب آخر.
ويلاحظ أن عدم المؤاخذة على النسيان والخطأ يستتبع العفو، وأن عدم حمل الإصر (الحرج والحمل الثقيل) يستوجب المغفرة، وأن عدم تحميل ما لا يطاق يتطلب الرحمة.
- {أَنْتَ مَوْلانا} متولي أمورنا ومالكنا، وناصرنا، وعليك توكلنا، وأنت المستعان، وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلا بك.
- {فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} أي الذين جحدوا دينك، وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيّك، وعبدوا غيرك، وأشركوا معك من عبادك، فانصرنا عليهم، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدّنيا والآخرة.
وكان معاذ رضي الله عنه إذا فرغ من هذه السورة قال: آمين.