الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على المشركين، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك، وأنكروه، وكفروا به بعد إيمان سابق.
وأرى أنه لا مانع من تعدد أسباب النزول، وإن كانت القرائن ترجح أن الآية نزلت في أهل الكتاب-ومثلهم المشركون-؛ لأن الآيات السابقة تدور حول محاورتهم ومناقشتهم واستئصال جذور الشرك من نفوسهم.
وهذا ما رجحه أيضا ابن جرير الطبري، وأيده في (تفسير المنار).
مجمل بيان الآيات: هذه الآيات جعلت الكفار أصنافا ثلاثة:
1 -
الذين تابوا توبة صادقة، وهم الذين أشارت إليهم الآية:{إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا} .
2 -
الذين تابوا توبة غير صحيحة، وهم المذكورون في قوله:{لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} .
3 -
الذين لم يتوبوا أصلا وماتوا على الكفر، وهم الموصوفون بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ} .
التفسير والبيان:
كيف يهدي الله قوما كاليهود والنصارى الذين كفروا بعد إيمانهم وشهادتهم أن الرسول حق، وأرشدتهم الآيات الواضحات من القرآن والكتب السابقة وسائر المعجزات الدالة على صدق نبوته وصحة رسالته؟! هذا استبعاد لهداية هؤلاء وتيئيس للنبي صلى الله عليه وسلم منهم، كما قال البيضاوي. فمن سنن الله تعالى في هداية البشر إلى الحق أن يقيم لهم الدلائل والبينات، مع إزالة الموانع من النظر فيها على النحو المؤدي إلى المطلوب، وقد مكنهم الله من هذا كله، وآمنوا به ثم كفروا.
والله لا يهدي أولئك الظالمين لأنفسهم؛ لأنهم عرفوا الحق وحادوا عنه، وتركوا دلائل النبوة، وهداية العقل.
فجزاؤهم استحقاق غضب الله وسخطه والطرد من رحمته، وسخط الملائكة والناس، وصبّ اللعنات عليهم، والدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله في الدنيا، وكذا في الآخرة، كما قال تعالى:{وَقالَ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت 25/ 29].
وهم خالدون أبدا في اللعنة أو في النار؛ لأن مستحق اللعنة جزاؤه النار، ولا يخفف عنهم العذاب ساعة واحدة، ولا يؤجلون لعذر يعتذرون به.
ثم استثنى الله تعالى التائبين، فمن تاب من هؤلاء عن ذنبه، وترك الكفر، ورجع إلى الله، وأصلح قلبه وعمله، وندم على ما فعل، فإن الله غفور لما تقدّم منه، رحيم بعباده كما قال:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ} [الشورى 25/ 42]. هذا هو الصنف الأول من الكفار وهم التائبون.
وأما الصنف الثاني فهم أهل الكتاب الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وشهدوا قبل بعثته أنه حق، ثم كفروا به بعد البعث، ثم ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد، ومقاومة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحاربة المؤمنين، فهؤلاء لن تقبل توبتهم ما داموا على الكفر، ثم ماتوا وهم كفار، وأولئك هم الواقعون في الضلال، المخطئون سبيل الحق والنجاة، الذين تمكن الكفر في قلوبهم.
والآية تشير إلى أن الكفر يزداد قوة واستقرارا، وتمكنا في القلب بعمل ما يقتضيه ويقويه وينميه، من طريق القيام بأعمال تنافي الإيمان، وتدعم الكفر وأهله. وكذلك الإيمان يزداد وينقص بعمل الصالحات أو بالإنقاص منها، كما