الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى أن الأمر بيد الله، وأنه مالك الملك، المعزّ والمذلّ، المعطي والمانع، وأنه على كلّ شيء قدير، نبّه المؤمنين إلى أنه يجب الالتجاء إليه وحده والاستعانة بأوليائه دون أعدائه، وأنه لا ينبغي لهم أن يوالوا أعداءه، أو يستعينوا بهم لقرابة أو صداقة قديمة.
وقد جاء في هذا المعنى آيات كثيرة، منها:{لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً} [آل عمران 118/ 3]، {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة 22/ 58]، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة 51/ 5]، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً} [النساء 144/ 4]، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ..} .
إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة 1/ 60]، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال 73/ 8].
وفي مقابل ذلك قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} [التوبة 71/ 9].
التفسير والبيان:
نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، ثم توعّد على ذلك بقوله:
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ} فلا يحلّ للمؤمنين اتّخاذ الكافرين أولياء لقرابة أو صداقة أو جوار ونحو ذلك، يطلعونهم على أسرارهم، ويودونهم، ويقدمون مصلحتهم على مصلحة المؤمنين، وإن كان في ذلك مصلحة خاصة،
فالمصلحة العامة أولى وأحقّ بالمراعاة. فإن كانت الموالاة والمحالفة لمصلحة المسلمين، فلا مانع منها، فقد حالف النّبي صلى الله عليه وسلم خزاعة، وهم على شركهم.
وإنما الواجب موالاة المؤمنين بعضهم بعضها، والاعتماد عليهم في الشؤون العامة. قال ابن عباس: نهى الله أن يلاطفوا الكفار، فيتّخذوهم أولياء.
ومعنى الموالاة الممنوعة: الاستنصار بهم والتعاون معهم والاستعانة بهم لقرابة أو محبة، مع اعتقاد بطلان دينهم؛ لأن الموالاة قد تجرّ إلى استحسان طريقتهم، والموالاة بمعنى الرّضا بكفرهم كفر، لأن الرّضا بالكفر كفر.
أما الموالاة بمعنى المعاشرة الجميلة في الدّنيا بحسب الظاهر، مع عدم الرّضا عن حالهم، فليس ممنوعا منه.
ومن يوالي الكافرين من غير المؤمنين أي يتجاوز المؤمنين إلى الكفار، كأن يكون جاسوسا للكفار، فليس من دين الله ولا من حزبه أو من ولاية الله في شيء، أي يكون بينه وبين الله غاية البعد، ويطرد من رحمته، ويكون منهم، ولا يكون مطيعا لدينه، كما قال:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، وقوله:
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ} : إشارة إلى اتّخاذهم أولياء، وهذا يدلّ على المبالغة في ترك الموالاة؛ إذ نفى عن متوليهم أن يكون في شيء من الله.
ثم استثنى سبحانه حالة تجوز فيها موالاة الكفار، وهي حالة الخوف من شيء، يجب اتّقاؤه منهم، كالقتل مثلا أي حال اتّقاء الضّرر؛ فتجوز موالاتهم حينئذ؛ لأن «درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح» . وإذا جازت موالاتهم لدفع الضّرر، فتجوز لنفع الإسلام والمسلمين. ويكون ذلك للضّرورة، مثل النّطق بالكفر حال الإكراه:
{إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} [النحل 106/ 16].
ويحذركم الله عقابه، وفي ذكر {نَفْسَهُ} إشارة إلى أن الوعيد صادر منه