الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستهلاكية، إذ لا يجوز الاقتراض بفائدة إلا لضرورة قصوى، وهي الحالة التي يغلب على الظن فيها الوقوع في الهلاك أو التسيب في الشارع ونحو ذلك من الحالات النادرة التي لا تنطبق على ما يدعيه أصحاب المعامل والمحلات التجارية من ضرورات، وهم يقصدون بذلك إما توسيع دائرة العمل والنشاط، أو دعم المصنع بآلات حديثه مثلا، وكل هذه المزاعم لا تدخل في دائرة الضرورة بحسب ضوابطها الشرعية، ولا تحل الحرام القطعي التحريم.
والربا حرام ويبطل ما قبض منه، ولا يجوز أخذ ما زاد على أصل رأس المال، قلّ أو كثر، وقد دلت الآية على ذلك:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ} ودلت أيضا على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر، لكونه سببا في معاداة الله ورسوله، جاء رجل إلى مالك بن أنس رضي الله عنه، فقال:
يا أبا عبد الله، إني رأيت رجلا سكرانا يتعاقر، يريد أن يأخذ القمر، فقلت:
امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشرّ من الخمر، فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك. فأتاه من الغد، فقال له: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد، فقال له: امرأتك طالق، إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه، فلم أر شيئا أشرّ من الربا، لأن الله أذن فيه بالحرب.
وسبيل التوبة مما بيد الإنسان من الأموال الحرام إن كانت من ربا، فليردّها على من أربى عليه، ويطلبه إن لم يكن حاضرا، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه. وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه.
الموضوع الثالث-نظرية الميسرة:
لما حكم جل وعز لأرباب الربا برؤوس أموالهم عند المدينين، حكم في ذي العسرة بالانتظار إلى حال الميسرة، وذلك أن ثقيفا لما طلبوا أموالهم التي لهم على بني المغيرة، شكوا-أي بنو المغيرة-العسرة، كما بينا في سبب النزول، وقالوا:
ليس لنا شيء، وطلبوا الأجل إلى وقت ثمارهم، فنزلت هذه الآية:{وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ} .
ودل قوله تعالى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ} مع قوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ} على ثبوت حق المطالبة لصاحب الدين (الدائن) على المدين، وجواز أخذ ماله بغير رضاه، ودل أيضا على أن الغريم متى امتنع من أداء الدين مع الإمكان، كان ظالما، فإن الله تعالى يقول:{فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ} فجعل له المطالبة برأس ماله، فإذا كان له حق المطالبة، فعلى من عليه الدين (المدين) لا محالة وجوب قضائه.
ومن كثرت ديونه وطلب غرماؤه مالهم، فللحاكم أن يخلعه عن كل ماله ويترك له ما كان من ضرورته، والمشهور عن مالك أنه يترك له كسوته المعتادة، ما لم يكن فيها فضل، ولا ينزع منه رداؤه إن كان ذلك مزريا به. وفي ترك كسوة زوجته وفي بيع كتبه إن كان عالما خلاف. ولا يترك له مسكن ولا خادم، ولا ثوب جمعة ما لم تقلّ قيمتها، والأصل في هذا قوله تعالى:{وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ} .
ويحبس المفلس في قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم حتى يتبين عدمه. ولا يحبس عند مالك إن لم يتّهم أنه غيّب ماله، ولم يتبين لدده أي خصومته ومماطلته. وكذلك لا يحبس إن ثبت عسره، للآية المتقدمة:{وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ.} ..
وقوله: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ} يدل على أن الله تعالى ندب بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر، وجعل ذلك خيرا من إنظاره. وقد أوردت سابقا الأحاديث الكثيرة الدالة على فضل إنظار المعسر وإبرائه من الدين، ومدى الثواب العظيم في ذلك عند الله تعالى.