الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
أباحت الآية دفع صدقة التطوع لأي إنسان كان. أما الصدقة المفروضة (الزكاة) فلا يجزئ بالإجماع دفعها لكافر،
لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الجماعة عن ابن عباس: «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، وأردّها في فقرائكم» . وكذلك لا يجوز في رأي الجمهور دفع زكاة الفطر لكافر؛ لأنها طهرة للصيام، فلا تصرف إلى الكافر، كصدقة الماشية والنقود،
وقد قال النّبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني وغيره عن ابن عمر: «أغنوهم عن سؤال هذا اليوم» يعني يوم الفطر، لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد، وهذا لا يتحقّق في المشركين.
وجوّز أبو حنيفة رضي الله عنه صرف صدقة الفطر إلى غير المسلم من أهل الذّمة، أخذا بعموم الآية في البرّ وإطعام الطّعام وإطلاق الصدقات.
ودلّت آية: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} على أن ثمرة النفقة عائد في الواقع إلى المنفق؛ لأنه سيجد جزاء أوفى على فعله، وأكّد تعالى هذا المعنى في جملتين تاليتين وهما:{وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} .
وأرشد قوله تعالى: {وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ} إلى أن النفقة المعتدّ بقبولها إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله.
وأبانت آية: {لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا.} . صفات مستحقي النفقة وهم الفقراء، وقد أوضحناها في التفسير المتقدّم. وأن من أدب السؤال عدم الإلحاح في المسألة.
والسؤال في الإسلام محرّم إلا لضرورة، فلا يحلّ للقادر على الكسب بدليل
قوله صلى الله عليه وسلم-فيما رواه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه:
«لا تحلّ الصدقة لغني، ولا لذي مرّة سوي» . والمرّة: القوة، والسّوي: سليم الأعضاء، والمراد به القادر على الكسب.
ولا تحلّ المسألة إلا لثلاث حددهم
النّبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
«المسألة لا تحلّ إلا لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دمّ موجع»
(1)
، والفقر المدقع: هو الشديد، وهو الذي يلصق صاحبه بالدقعاء:
وهي الأرض التي لا نبات فيها، والغرم: ما يلزم أداؤه تكلّفا؛ لا في مقابلة عوض، كالكفالة والنفقة لإصلاح ذات البين ونحوه من أعمال البرّ، كدفع مظلمة وحفظ مصلحة، والمفظع: الشديد، فلمن تحمل ذلك أن يسأل الإعانة على سداد ما غرم، وأما ذو الدّم الموجع: فهو الذي يتحمل الدّية عن الجاني من قريب أو نسيب أو صديق لئلا يقتل، فيتوجع لقتله.
والإلحاح في المسألة مع الغنى عنها حرام لا يحل،
أخرج مسلم عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل الناس أموالهم تكثّرا، فإنما يسأل جمرا، فليستقلّ أو ليستكثر» ، و
أخرج أيضا عن ابن عمر أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم، حتى يلقى الله، وليس في وجهه مزعة
(2)
لحم»، و
روى أحمد وأبو داود وابن حبان عن سهل ابن الحنظلية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من جمر جهنم، قالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال:
ما يغديه أو يعشيه».
أما إذا كان السائل محتاجا فلا بأس أن يكرّر المسألة ثلاثا إعذارا وإنذارا، والأفضل تركه. فإن كان المسؤول يعلم بذلك، وهو قادر على ما سئله، وجب عليه الإعطاء، وإن كان جاهلا به، فيعطيه مخافة أن يكون صادقا في سؤاله،
(1)
رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
المزعة: القطعة، قال القاضي عياض: قيل: معناه يأتي يوم القيامة ذليلا ساقطا لا وجه له عند الله. وقيل: هو على ظاهره، فيحشر ووجهه عظم لا لحم عليه، عقوبة له، حين سأل بوجهه.