الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدد مصير المتّقين وذكرهم بزوال الدنيا وما فيها من أموال، ومضمون ذلك:
اتّقوا واحذروا يوما عظيما ترجعون فيه إلى الله تعالى، فيحاسبكم على ما عملتم، ويجازيكم على ما كسبتم من خير أو شرّ، فيثيبكم على الخير ويعاقبكم على الشّر، ويجازى كل امرئ بما يستحق من خير أو شرّ، ولا تظلمون فلا ينقص من ثوابكم شيئا، ولا يزاد في عقوبتكم، كقوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ} [الأنبياء 47/ 21].
قال ابن جريج: إنّ آية {وَاتَّقُوا يَوْماً..} . نزلت قبل موت النّبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال، ثم لم ينزل بعدها شيء، وقال ابن جبير ومقاتل: بسبع ليال، وروي: بثلاث ليال، أو بثلاث ساعات،
وقال عليه الصلاة والسلام:
«اجعلوها بين آية الرّبا وآية الدّين» .
وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «آخر ما نزل من القرآن كله:
{وَاتَّقُوا يَوْماً.} . وعاش النّبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال، ثم مات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول».
وروى النسائي وغيره عن عبد الله بن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} فكان بين نزولها وموت النّبي صلى الله عليه وسلم واحد وثلاثون يوما.
مراحل تحريم الرّبا:
حرّم الله الرّبا في القرآن كتحريم الخمر في أربعة مواضع، وسار التّحريم في مراحل أربع، الموضع الأول منها مكي، والباقي مدني.
1 -
ففي مكّة أنزل الله: {وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ، فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ} [الروم 39/ 30]، وهذا يقابل آية الخمر المكيّة: {وَمِنْ ثَمَراتِ
النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} [النحل 67/ 16]، وفي كلا الآيتين تمهيد للتحريم وتعريض به وإيماء إلى ضرورة تجنّبه.
2 -
ثم قصّ علينا القرآن في المدينة سيرة اليهود الذين حرّم عليهم الرّبا فأكلوه وعاقبهم الله بمعصيتهم، فقال:{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ.} .
(1)
[النساء 161/ 4]، وهذا نظير المرحلة الثانية في تحريم الخمر:{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، قُلْ: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} [البقرة 219/ 2]، وكلا الآيتين إنذار بالتّحريم، وتعريض به، وإيذان بعقوبة المخالف.
3 -
ثم نهى تعالى عن الرّبا الفاحش الذي يتزايد حتى يصير أضعافا مضاعفة، وهو ما كان في الجاهلية:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً.} . [آل عمران 130/ 3]. وهذا يشابه المرحلة الثالثة من مراحل تحريم الخمر: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ.} . [النساء 43/ 4]، فكلا الآيتين نهي جزئي صريح، إلا أنّ آية الرّبا نهي عن صورة فاحشة من صور الرّبا وهو الرّبا الجاهلي، وآية الخمر نهي جزئي عن تناول المسكر وقت إرادة الصلاة.
4 -
ثم جاء التّحريم القاطع لكلّ من الرّبا والخمر، أما الرّبا فقد نهى الله عن كل ما يزيد عن رأس مال المدين:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.} . الآيات. وأما الخمر فقد أمر الله باجتنابه في كل الأحوال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة 90/ 5].
(1)
قال القرطبي: ولم يرد به الرّبا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا، و 7 نما أراد المال الحرام، كما قال تعالى: أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ أي المال الحرام من الرّبا وما استحلوه من أموال غير اليهود.