الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله {نُنْشِزُها} نرفعها من الأرض ثم نردها إلى أماكنها من الجسد وقرئ «ننشرها» أي نحييها {ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً} فنظر إليها وقد تركبت وكسيت لحما، ونفخ في الجسد الروح، وظهرت عليه علائم الحياة {أَعْلَمُ} علم مشاهدة.
المناسبة:
القصة السابقة لإثبات وجود الله، وهذه القصّة والتي تليها في قوله تعالى:
{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ} لإثبات الحشر والبعث بعد الفناء.
التفسير والبيان:
أرأيت مثل هذا الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها، أي ساقطة جدرانها على سقوفها
(1)
، وهي معطوفة على قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ} وهي بمعنى قوله: هل رأيت مثل الذي حاجّ في ربّه. وما هي القرية؟ ومن هو المارّ؟ قيل: إنّه بيت المقدس، والمارّ: هو عزير بن شرخيا، وهو القول المشهور، وقيل: هي دير هرقل على شطّ الدّجلة، والمارّ:
هو أرميا من سبط هارون عليه السلام. وقيل: إنه الخضر عليه السلام، وقيل:
اسمه حزقيل بن بوار، وقال مجاهد: هو رجل من بني إسرائيل.
فقال: كيف يعمّر الله هذه القرية بعد خرابها، والمراد استبعاد عمرانها بالبناء والسّكان، بعد أن خربت وتفرّق أهلها، ولكنّه في الوقت نفسه يستعظم قدرة الله تعالى لما رأى شدّة خرابها، فقوله: اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الأحياء، واستعظام لقدرة المحيي.
فجعله الله فاقد الحسّ والحركة مائة عام، مع بقائه حيّا، ثمّ أطلق فيه
(1)
قال السّدي: يقول: هي ساقطة على سقفها، أي سقطت السّقف، ثم سقطت الحيطان عليها. واختاره الطّبري. وقال غير السّدّي: معناه خاوية من الناس، والبيوت قائمة، وخاوية معناها خالية.
الحركة وبعثه بسرعة وسهولة، كأنّه كان نائما ثم استيقظ، فوجد القرية قد عمرت بعد سبعين سنة من موته، وتكامل ساكنوها، ورجع إليها بنو إسرائيل. فقيل له بواسطة الملك: كم وقتا لبثت؟ وسئل هذا السؤال ليظهر عجزه عن الإحاطة بشؤون الله تعالى. وأكثر المفسّرين على أن ظاهر هذه الإماتة: أنها بإخراج الرّوح من الجسد، والأظهر أن القائل: هو الله تعالى، من طريق ملك أو هاتف من السماء يقول له ذلك.
فقال: لبثت يوما أو بعض يوم، على التّقريب والظنّ والتّخمين، لأنّه مات أوّل النهار، ثم بعثه الله في آخر النهار، فلما رأى الشمس باقية ظنّ أنها شمس ذلك اليوم، فقوله هذا على ما عنده وفي ظنّه، فلا يكون كاذبا فيما أخبر به، ومثله قول أصحاب الكهف:{قالُوا: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف 19/ 18]، وإنّما لبثوا ثلثمائة سنة وتسع سنين.
فأجيب: بل لبثت مائة عام، فانظر لترى دلائل قدرتنا إلى طعامك وشرابك طوال هذه المدّة، لم يتغيّر ولم يفسد، مع أنّ العادة جرت بفساد مثله بمضي مدّة قليلة.
وانظر أيضا لترى الدّليل على قدرتنا إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتقطّعت أوصاله، لتتبيّن تطاوّل مرور الزّمان عليه وعليك وأنت راقد أو نائم فعلنا بك ما فعلنا لتعاين ما استبعدته، ولتتيقّن ما تعجبت منه، ولنجعلك دليلا على المعاد، وآية دالّة على تمام قدرتنا على البعث يوم القيامة، كقوله تعالى:
{ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} [لقمان 28/ 31]، فقوله:{وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ} دليل على البعث بعد الموت.
وانظر كيف نرفع عظام حمارك المتناثرة يمينا وشمالا، فيركب بعضها على بعض، ونردها إلى أماكنها من الجسد، ثم نكسوها لحما وعصبا وعروقا وجلدا،