الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهبة الرحمة والفضل من الله، والتوفيق إلى الخير والسداد، إنك أنت الوهاب.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو:
«يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء، فقال:«ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه» .
2 -
{رَبَّنا، إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ..} . أي ربنا إنك تجمع الناس للجزاء في يوم لا شك فيه، ووعدك الحق الذي لا يخلف. وتعليمنا هذا الدعاء لنشعر بالخوف من تسرّب الزيغ الذي يسلب الرحمة في ذلك اليوم. وفي هذا إقرار بالبعث يوم القيامة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على أن آيات القرآن أكثرها محكم، وبعضها متشابه، وأن المتشابه لا يعلم المراد منه إلا الله والمتمكنون من العلم، لكن علمهم الله طريق العصمة من الزيغ في فهم المتشابه بدعاءين:{رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا..} . {رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ..} . وأما الزائغون فيتبعون المتشابه.
وقد أوردت أمثلة من المحكم والمتشابه، وأبنت المراد منهما على الأصح، وسأذكر أمثلة أخرى للمتشابه.
نماذج من المتشابه:
روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال: ما هو؟ قال: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} [المؤمنون 101/ 23] وقال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} [الصافات 27/ 37]. وقال: {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} [النساء 42/ 4] وقال:
{وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام 23/ 6] فقد كتموا في هذه الآية. وفي النازعات: {أَمِ السَّماءُ بَناها..} . [النازعات 27/ 79] إلى قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النازعات 30/ 79]، فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال:
{أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ..} . [فصلت 9/ 41] إلى قوله:
{أَتَيْنا طائِعِينَ} فذكر في هذا خلق الأرض قبل خلق السماء. وقال: {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} . {وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} . {وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً} فكأنه كان ثم مضى.
فقال ابن عباس: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ} في النفخة الأولى، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم في ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وأما قوله: {ما كُنّا مُشْرِكِينَ} {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً} فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين؛ فختم الله على أفواههم، فتنطق جوارحهم بأعمالهم، فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا، وعنده يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
وخلق الله الأرض في يومين، ثم استوى إلى السماء، فسوّاهن سبع سماوات في يومين، ثم دحا الأرض أي بسطها، فأخرج منها الماء والمرعى، وخلق فيها الجبال والأشجار والآكام وما بينها في يومين آخرين؛ فذلك قوله:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} . فخلقت الأرض في أربعة أيام، وخلقت السماء في يومين.
وقوله: {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} يريد نفسه ذلك، أي لم يزل ولا يزال كذلك؛ فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد. ويحك! فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلا من عند الله
(1)
.
(1)
تفسير القرطبي: 12/ 14.