الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويسوؤه أن يعرض له أحد بنقد أو ذم، وكأنه هو كاتب الرسالة، وهذا لا يصح، فالمشرف يجب عليه أن يخلي بين الطالب ومناقشيه إلا إذا اقتضى الأمر توضيح مبهم، أو رفع التباس، ويحسن أن يكون هذا بعد انتهاء المناقشة، حتى لا يسقط الثقة بالمناقشين.
ومن أسوأ ما تراه الآن من تعصب بعض المشرفين أنه إذا رأى حدة من بعض المناقشين اتجه إلى الطالب وغمز له بعينيه، يعني "فوِّت"، وهذا شيء رديء جدًا، يراه الحاضرون بوضوح، ويخرجون يتندرون به، فيقولون:"شفت لما الدكتور غمز له بعينه"! هأْ هَأْ هَأْ.
لا يجوز:
ومن هموم هذه المناقشات الجامعية أيضًا: أن بعض الرسائل تتناول شخصيات معاصرة تعيش بيننا الآن، وتدعى تلك الشخصية لحضور المناقشة، وفي رأيي أن ذلك لا يجوز لأنه ربما تعرض أحد المناقشين لنقد تلك الشخصية أو القسوة عليها، فيكون في ذلك حرج على الجميع، وأذكر أن صديقًا لنا أعد رسالة عن شيخنا محمود محمد شاكر-برّد الله مضجعه- وكان ذلك في حياته، ودعي شيخنا لحضور المناقشة، فأبى وقال: لا أحب أن أضع الأساتذة في حرج، أو أضيق عليهم سبل القول.
وما بقي من شجون هذه المناقشات الجامعية إلا أمران:
الأول: تقدير درجة الرسالة، وفي هذه المسألة مداخلات كثيرة، أعرف بعضها وأعرض عن بعض، فالذي أعرفه منها: أن بعض المناقشين- بدواعي إدخال السرور على المشرف والطالب والحضور- يوحي في أثناء المناقشة بما سيكون عليه التقدير، حتى إذا أعلن يكون قد فقد حرارة المفاجأة ونشوة الفوز، ومن ذلك أن درجة الامتياز ومرتبة الشرف الأولى قد كثرتا جدًا، ولو أجريت إحصاء بين الامتياز وجيد جدًا، لوجدت الدرجة الأخيرة ضئيلة بالنسبة إلى أختها.
ومن أعجب العجب أن المناقشة تكون حامية جدًا، ويُدخل المناقشان وجوهًا من النقص كثيرة على الرسالة، ثم تخلو اللجنة للمداولة، وتكون المفاجأة حصول الطالب على الامتياز أو مرتبة الشرف الأولى (ويا دار ما دخلك شر)، وأذكر أني كنت أناقش طالبًا في رسالة دكتوراه، ووجهت إليه أنا وزميلي مؤخذات كثيرة، وحين خلونا إلى تقدير الدرجة أصرّ المشرف على مرتبة الشرف الأولى، وأصررت أنا وزميلي على التي هي دونها، فغضب المشرف غضبًا شديدًا، فقلت له: أيها الزميل العزيز، ألست ترى أننا وجهنا إلى الرسالة سهامًا كثيرة؟ فقال: بلى، فقلت: وأنت تصر على أن تعطيها الدرجة العليا، قال: نعم، قلت: ما رأيك لو جاءتنا رسالة أخرى بهذا العنوان والموضوع وقد خلت من كثير من المؤخذات التي أخذناها على رسالة تلميذك، ماذا كنا نعطيها من التقدير؟ فحار وأَبْلَس، ثم قال: خلاص يا دكتور، اعمل معروف متحرجنيش مع الطالب! .
ومن الأمور المؤسفة أيضًا: أن الطالب حين يحصل على تقدير لا يعجبه يواسيه المشرف قائلاً: والله يا بني أنا كنت عاوز أعطيك التقدير الذي تحبه، ولكن الزملاء غلبوني على أمري، وهذا لا يصح لأن رأي اللجنة جماعي، والمجالس أمانات.
ومن قضايا تقدير الدرجة: التفرقة أحيانًا بين المعيد الذي يعمل داخل الكلية، وبين الطالب الذي يتقدم من الخارج، فالأول يعامل برفق، ويدخل إلى حلبة المناقشة هادئًا مطمئنًا لأنه يعرف ما سيؤول إليه أمره، والثاني هو ونصيبه، وما ذلك إلا لأن المعيد يُنظر إليه على أنه زميل المستقبل، وبعض الكفار يحبون أن يتخذوا يدا عند الصغار، ولله في خلقه شؤون.
ونعم إن بعض الشرفاء لا يعرفون هذه التفرقة، ومن ذلك ما حدث أخيرًا في كلية دار العلوم، حين أصر بعض الأساتذة على رفض رسالة دكتوراه قدمها مدرس مساعد بالكلية، لأنه قد ظهر أن الرسالة مسلوخة من كتب بعض الأساتذة، والغريب أن ذلك السارق قد وجد من يساعده وينتصر له من داخل الكلية، وبالله نستدفع البلاء! وهذا السارق إنما جرأه على السرقة وأغراه بها أنه وجد بعض الأساتذة الكبار
يسرقون ويدينهم القضاء، ثم لا تفعل الجامعة معهم شيئًا، فمن حق هذا الطالب السارق أن ينشد قول الشاعر:
سرقتُ مالَ أبي يومًا فأدَّبَني
…
وجُلَّ مالِ أبي يا قومنا سَرَقُ
والأمر الثاني: أن مقدم الرسالة يتلقى تصحيحات كثيرة وتعديلات كثيرة على رسالته، وبعد أن يحصل على الدرجة والتقدير، يخرج وكأن شيئًا لم يكن، وحين يطبع الرسالة ويخرجها إلى الناس لا يعتني كثيرًا بالإصلاحات التي قدّمها له أساتذته، بل إن بعضهم يبلغ به اللؤم أنه حين يخرج الرسالة كتابًا مقروءًا يُسقط منها الشكر الذي قدمه للمشرف وللمناقشين، ومن العجب أن بعض الذين يفعلون هذا شباب طيبون، وأصحاب فضل وعلم، ولكنها العدوى التي تحتاج الناس كالوباء العام.
والراية عندي أن الطالب لا يُجاز على رسالته الإجازة المشفوعة بالدرجة إلا بعد أن يقدم نسخة من رسالته محررة ومستفيدة من إصلاحات أساتذته، فإذا ما أخرجها للناس بآفاتها وبإسقاط أسماء مشرفه ومناقشيه سُحِبت منه، وأعلنت فضيحته على الناس.
فيا زملاءنا الأعزاء: أعرف أن عندكم علمًا كثيرًا، ولكني أدعوكم أن تخرجوه للناس ولا تضنّوا به، واعلموا أن ما تؤجرون عليه من المجلات الغنية، وبرامج التليفزيون الخليجية إنما أخذتموه باسم الجامعة الضخم، وبالطيلسان الجامعي الفضفاض، فأنتم في الأصل معلمون، فأعطوا الجامعة حقها عليكم، وأخلوا وجوهكم لطلبتكم، وأعطوهم حظهم من العناية والتوجيه، وخُذوهم بالجد، ثم أعيدوا للرسائل الجامعية بهاءها ووقارها وشرفها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.