الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبالغات:
فمن ذلك ما كتبه صديقنا الدكتور محمد الجوادي في أهرام 20/ 6، عن الشيخ:"أنه متابع جيد لكل تفصيلات الحياة والعلم والاقتصاد ولأدق نظريات الاجتماع، وتطورات العلوم الحديثة ومنجزات التكنولوجيا"! أهكذا يا صديقنا الدكتور؟ لقد تبحبحت كثيراً، إن الذي يتابع أدق نظريات الاجتماع ومنجزات التكنولوجيا لا بد أن يكون لديه لغتان أجنبيتان أو لغة واحدة على الأقل. وما عرف عن الشيخ ذلك!
وفي عدد الأهرام نفسه يقول الأستاذ حسن دوح: "لقد وجدنا فيك الزمخشري والبيضاوي وابن كثير ومالكاً والشافعي وابن حنبل وأبا حنيفة، ووجدنا فيك البخاري ومسلماً وابن ماجه والنسائي، ووجدنا فيك ابن حزم وابن تيمية "، يا أستاذ حسن، أمسك عليك قلمك، إن الشافعي المتوفى سنة 205، والبخاري المتوفى سنة 256 لم يتكررا، ولم يعرف التاريخ لهما شبيهاً، لأسباب ودواعٍ كثيرة، وكذلك سائر من ذكرت من الأئمة الأعلام، ولا يتسع المقام هنا لبسط الكلام.
على أن الشيخ رحمه الله لم يكن محدثاً، فإن المحدث بالمعنى الاصطلاحي الدقيق: هو من عرف علم الحديث رواية ودراية، وعلم الحديث رواية: هو ما يشتمل على أقوال النبيّ صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها، وعلم الحديث دراية: هو ما يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة من تعديل وتجريح، وقبول ورد، وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق به. وذلك كله ما يعرف بعلوم الحديث. وما نظن الشيخ رحمه الله ضبط ذلك كله، وانظر تفصيل ذلك في: كتاب تدريب الراوي للسيوطي 1/ 40، وقواعد التحديث لجمال الدين القاسمي ص 17.
والعجيب أن ما قاله الدكتور الجوادي والأستاذ حسن دوح، قد نقله بحروفه الأستاذ أحمد أبو كف في المصور 26/ 6، دون أن ينسبه إليهما، وخطورة مثل ذلك أن هذا الكلام قد صار كلاماً مصدقاً ينقله الناس بعضهم عن بعض وكأنه من المسلمات!
ومن المبالغات أيضاً ونسبة أمور للشيخ ليست له ما ذكره الأستاذ عبد الرحمن فهمي في بريد الأهرام 25/ 6 بعنوان (إحضر حالاً إلى أندونيسيا) يقول: إن أئمة الإِسلام في أندونيسيا قد بعثوا إلى الشيخ الشعراوي ليرى ساحراً بوذيّاً يدعو إلى أمور دينية خطيرة، ويستعين عليها بأمور من السحر، فسافر الشيخ سراً ورأى ذلك الساحر وهو يخرج من كمه حبلاً طويلاً يسبح في الهواء، بل إنه يخرج من كمه رجلاً يسبح في الهواء ويتعلق بذلك الحبل. فما كان من الشيخ الشعراوي إلا أن طلب مصورين وأجهزة تصوير ليصوّروا الحبل والرجل. وكانت المفاجأة أن أفلام التصوير لم تسجل شيئاً من ذلك كله. وهنا أكد لهم الشيخ أن هذا نوع من التخييل والتمويه، وأن هذا الرجل إنما سحر أعين الناس فقط، كما حكى القرآن العظيم عن سحرة فرعون:{فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءو بسحرٍ عظيم} [الأعراف: 116]، انتهت القصة، وأقول: يا أستاذ عبد الرحمن فهمي، هذه قصة قديمة جداً، وقد سمعت أشباهاً لها منذ عشرين عاماً، والذي فعله الشيخ الشعراوي أنه صنع ما صنعه غيره من كشف هذه الألاعيب.
على أن من أعجب ما قرأته من مبالغات الناس في أمر الشيخ ما ذكره الدكتور عبد الله النجار في باب (قرآن وسنة) بجريدة الجمهورية 26/ 6، فقد ذكر كلاماً عن المواجهة بين الشيوعيين والشيخ الشعراوي، أنهاه بقوله:"وستظهر الأيام أن انتصار الشيخ في تلك المعركة الفاصلة هو الذي مهد لسقوط الدولة الشيوعية، وانتهاء ما كان يتحصن به الذيول والأتباع مما كان يعرف بالاتحاد السيوفييتي، وكانت تلك هي معركة القرن"! هل هذا كلام يا رجل؟ لن اصف ذلك الكلام وسأمسك قلمي، لكني أدعو الدكتور عبد الله النجار أن يبرأ مما قال، ويخرج من عهدته، ويعلن أن ذلك من جمحات القلم، ببواعث الشجن وهيجان العاطفة.
على أنه مما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه أن الشيخ الشعراوي لم يدخل معارك على الحقيقة مع أحد، فإنه لم يكن يعبأ بمخالفيه، وليس كبراً عليهم واستعلاء، وإنما الرجل كان يتصرف وفق منهج الصوفي الذي ألقى الدنيا خلف ظهره ودَبْر أذنيه،
واشتغل بمحبوبه عمن سواه، ومحبوبه هو القرآن ولغة القرآن، ومنهج الله الذي يبدو له من خلال آيات هذا الكتاب المبين، وهو إن ذكر شيئاً من مقالة الشيوعيين أو الإِلحاديين فإنما كان يعالجها من خلال تأمله للقرآن ليس غير، ويحسب للشيخ هنا من ذكائه ووعيه الاجتماعي أنه لم يتعرض لسخط أهل الصحافة وأهل الإِعلام، فهو يعلم أن هؤلاء وهؤلاء لهم سلطان وغلبة، ولم يكن يغيب عن الشيخ قول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم
…
حسبت الناس كلهم غضابا
ثم هو لم تغب عنه أيضاً معركة الشيخ محمد الغزالي في الخمسينات مع الأستاذ إحسان عبد القدوس والفنان صلاح جاهين وكاريكاتيره الشهير "أبو زيد الغزالي سلامة"، ثم معركة الشيخ محمد أبو زهرة مع الأستاذ أحمد بهاء الدين في الخمسينات أيضاً، كذلك لم يغب عنه تعرض الشيخ عبد الحميد كشك لغضب الصحفيين وأهل الفن.
والشيخ كشك كان أيضاً من أصحاب البيان واللسن، وجهارة الصوت وقوة التأثير، وكان وراءه جمهور ضخم، ولقيت تسجيلاته انتشاراً وذيوعاً داخل مصر وخارجها، بل وصلت إلى أوروبا والأمريكيتين. لكن انشغال الشيخ كشك بتتبع الأدباء والكتاب وأهل الفن، والتلفزيون والكرة، شتت جهوده، وحصر تأثيره في دائرة محدودة من الناس، وهذه أزمة بعض أصحاب الخطاب الديني، أنهم يوردون أنفسهم موارد التهلكة، حين ينظرون إلى المجتمع على أنه شر كله، وفي هذا الطريق يستغضبون طوائف مهمة في المجتمع، بدواعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهملين طبائع الأزمان، غافلين عن تقلبات الأحوال وتداخل الأمور، وتشابك القوى وقد قيل بحق: العاقل من عرف زمانه، وقد ألمح إلى هذا الدكتور أحمد كمال أبو المجد، في كلمة له بالمصور - العدد المذكور - قال: "ومن السمات الواضحة في منهج الشيخ الشعراوي انه التزم موقفاً إيجابيّاً وبنائيّا في تعامله مع الواقع، مؤثراً الاشتغال ببناء المنهج السوي، والتبشير به والدعوة إليه، عن الاشتغال بنقد المناهج