الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العربية، وهناك قانون ملزم بذلك الإِيداع، لكني احسب أن هذا القانون إنما يلزم الناشرين فقط من التجار وأصحاب المطابع.
غياب الكتاب العربي:
فأنت ترى أيها القارئ الكريم أن الكتاب العربي المطبوع قد غاب مرتين: المرة الأولى لتقادم عهد طباعته حتى صار كالكتاب المخطوط، والمرة الثانية لبعده عن أيدي الدارسين بمحدودية توزيعه وإذاعته.
ولقد أدى غياب الكتب الآن إلى غياب المرجعية في قضايا الفكر والأدب، وصار كثير من الناس الآن، وبخاصة المبتدئون من الدارسين يكتبون من رؤوسهم، وما تسرع إليه خواطرهم، وقديماً قال الجاحظ:"وإنما يؤتى الناس من ترك التثبت وقلة المحاسبة". وقال الشيخ عبد القاهر الجرجاني: "وتلك جريرة ترك النظر وأخذ الشيء من غير معدنه"، ولا يخفى أن من ترك التثبت وأخذ الشيء من غير معدنه غياب الكتب والتعويل على الرأي وحده.
إذن نحن مطالبون بأمرين: الأمر الأول: إنعاش ذاكرة الأمة العربية، وإنقاذ تاريخها من قرارة النسيان وبئر الضياع، باسترجاع مطبوعاتها العربية على امتداد الأربعمائة سنة التي أشرت إليها.
والأمر الثاني: رصد ومتابعة وجمع ما يطبع من الكتب العربية في كل بلدان العالم أولاً بأول، وبتحقيق هذين الأمرين نكون قد عملنا على تجميع الكتاب العربي المطبوع، وهو مقترحي الأساسي، وهدفي من هذه الكلمة كلها.
مكتبة العرب:
ولكن كيف يتم ذلك؟ وما السبيل إلى تحقيقه؟ والجواب وبالله التوفيق، دون تطويل أو ثرثرة، إنشاء مكتبة كبرى، تسمَّى "مكتبة العرب" ينشئها هؤلاء السادة الأثرياء النبلاء، مجتمعين أو متفرقين، ويختارون لها مكاناً كبيراً في بلد عربي يتوسط البلدان العربية، ويسهل على أبناء الأمة العربية النزول به والإِقامة فيه،
ولا أحسب هذا البلد إلَاّ "القاهرة"، أقول قولي هذا وأنا آمن - إن شاء الله - من سوء الظن بعصبية البلد، فجمهور قراء "العربي" ممن يحسنون الفهم، ولا تسرع إليهم الظنون.
وأعلم أن بعض أهل الخير من أبناء السعودية والخليج يقيمون الآن مساجد فخمة بالقاهرة، ولو كنت من أهل الفتيا لأفتيت بأن إقامة المكتبات الآن أولى من بناء المساجد، مع علمي بالأحاديث التي تحض على بناء المساجد وترغب في إقامتها.
وسوف يكون إنشاء "مكتبة العرب" بالقاهرة مذكراً بتلك القلعة الشامخة "دار الكتب المصرية" التي تتوسط ميدان "باب الخلق" الشهير، والتي كانت ملتقى لرجال الفكر والأدب، يجدون فيها بغيتهم من الكتاب العربي المخطوط والمطبوع، ويذكر أساتذتنا الكبار من أبناء الأمة العربية الذين حصلوا على شهاداتهم العليا من جامعة القاهرة في الأربعينيات والخمسينيات فضل دار الكتب المصرية عليهم، وأثرها في تكوينهم الفكري
…
وسقى الله تلك الأيام!
وواضح مما قلته إن الغاية الأولى من إنشاء هذه المكتبة "مكتبة العرب" هي تحقيق فكرة تجميع الكتاب العربي المطبوع، ولكن لن تكون هذه هي الغاية الوحيدة من إنشاء هذه المكتبة، فسوف تكون هناك غايات أخرى عظيمة مما تتيحه المكتبات الحديثة المؤسسة علميّاً، والمستفيدة من مظاهر التقدم التكنولوجي المذهل الذي أتى به العلم الحديث في وسائل الاتصال والتكشيف واستدعاء المعلومات.
ومن هذه الغايات العظيمة أيضاً تجميع صور المخطوطات العربية التي صورت على "الميكروفيلم" مما صوره معهد المخطوطات العربية الذي أنشئ تابعاً لجامعة الدول العربية عام 1946 م، وكذلك صور المخطوطات التي صورتها الجامعات العربية والمراكز العلمية التابعة لها، ومراكز العلوم الأخرى غير التابعة للجامعات.
ولن أطيل بذكر هذه المراكز، فهي معروفة مشهورة، بحيث تكون "مكتبة العرب" هذه في آخر الأمر هي المكتبة المركزية للأمة العربية كلها التي جمعت الكتاب العربي: مطبوعاً ومخطوطاً.
وإذا كانت منظمة اليونسكو تعمل الآن في مشروع "ذاكرة العالم "، فما أحرانا نحن العرب أن نعمل في مشروع "ذاكرة العالم العربي" الذي يكون مجلاه "مكتبة العرب" هذه.
أما كيف تقوم هذه المكتبة، وما هي الأسس التي تركز عليها، وما هي القواعد الصحيحة التي تضمن لها البقاء والنمو والازدهار؟ فكل ذلك وأشباهه موكول إلى لجنة عليا تختار من كبار رجال الفكر والأدب في عالمنا العربي، تخطط لهذا الصرح العربي الكبير، على أن ننبذ من تفكيرنا الإِقليمية والفردية. وما أريد أن أمد في حبال الكلام عن هذه المكتبة وأهدافها، حتى لا يطول الحديث، والحديث إذا طال أمل وأضجر، وإذا جاء موضع الكلام تكلمنا، وأخرجنا ما عندنا من تصورات واقتراحات، لكني أريد أن أعجل وأقول: إن تكاليف إنشاء مثل هذه المكتبة لن تتجاوز ما ينفق على عشر ندوات تراثية لا تخرج إلى أبعد من التوصيات، وعشر جوائز سنية لا تتجاوز جيوب أصحابها.
ولا عليكم أيها المفكرون والشعراء والمبدعون من أن تبطئ عليكم الجوائز سنتين أو ثلاثاً، حتى يتحقق هذا الأمل الكبير، والله يعوضكم خيراً، وسوف يكون يوم افتتاح هذه المكتبة العظيمة إن شاء الله، عيداً لأولنا وآخرنا.
وبعد: فيا أيها السادة النبلاء، من أثرياء العرب الذين سخوا وجادوا، هذه تجارة رابحة، دللتكم عليها، وفتحت لكم أبوابها، وأقمت لكم سوقها، فامضوا على بركة الله وهداه، ونرجو أن يعود بكم وبفضل أموالكم تاريخنا العظيم، في إقامة دور الكتب وخزائنها التي حفظت لنا ما بقي من تراثنا، وأدته إلينا سالماً، واستنفذته من عوادي الناس والأيام، وسوف يكون في موازينكم إن شاء الله دعوة طالب علم أو معيد بإحدى الجامعات يتحرق شوقاً إلى مرجع قديم أو حديث لا تطوله يداه الكليلتان، يجده ميسوراً متاحاً في مكتبتكم "مكتبة العرب".
أما انتم أيها السادة المستشارون الأمناء الذين عهد إليكم هؤلاء السادة الأثرياء بالإِشراف على أعمالهم النبيلة هذه: لقد حملتم أمراً عظيماً فاصطبرتم له، وقد أديتم
الأمانة بإحسان النصح، وإخلاص المشورة، وطهارة اليد، وأنا أدعوكم اليوم لأن تقرأوا هذا الكلام وتتدبروه، ثم تقدّموه للسادة الأثرياء النبلاء، قدِّموه لهم ليقرأوه بأنفسهم، ولا تلخصوه لهم، فهم أهل فضل وأدب وعقل قبل أن يكونوا أصحاب ثروة وجاه، وبينهم وبين أهل العلم نسب أقاموه مقام الوالد، على نحو ما قال أبو تمام، وانتم بعد ذلك شركاؤهم في إحراز الأجر وكمال المثوبة، فالدال على الخير كفاعله، كما جاء في الحديث الشريف.
قال محدِّث الشام أبو الفدا العجلوني: والمشهور على الألسنة: "الدال على الخير كفاعله، وفاعله من أهل الجنة".
والله من وراء القصد، وهو ولي التوفيق.
* * *