الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ الشعراوي .. والفتنة بما يقوله الكبار
(1)
رحم الله شيخنا الشعراوي، فمنذ نحو ثلاثين عاماً خرج على الناس صوت جديد، يدعو إلى الله على بصيرة، ويكشف عن مراد الله من كلامه القديم، على نحو مباين لما ألفه الناس في زماننا هذا. ذلكم هو الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكان الفضل في إبلاغ هذا الصوت وإذاعته مصروفاً كله إلى الأستاذ الأديب أحمد فراج، في برنامجه التلفزيوني "نور على نور".
ويوماً بعد يوم أخذ الناس يجتمعون حول ذلك الصوت لما ظهر لهم من أسلوبه الفريد في عرض القضايا ومناقشتها والاستدلال عليها، وأخذ الشيخ يبسط سلطانه على ساحة الخطاب الديني المرئي والمسموع، مخلياً مساحة كبيرة بينه وبين سائر الدعاة والوعاظ، لكنه قد لقي - في أول أمره - شيئاً من الإِنكار والتجافي، وبخاصة من بعض المثقفين الذين أعرضوا عنه أنفة واستعلاء، وذهاباً بأنفسهم عما تجتمع عليه العامة، ولعل ذلك الإِعراض يرجع أيضاً إلى ما أثر عن الوعاظ قديماً وحديثاً، من مخاطبتهم للمشاعر القريبة في الناس، واستنفارهم لشجون العواطف والقلوب، وبُعدهم عن معالجة قضايا الفكر ومسارح التأمل، على ما قرره توفيق الحكيم في كتابه "فن الأدب"، وفي كلام بعض أهل العلم قديماً ما يشير إلى ذلك.
يقول مجد الدين بن الأثير في مقدمة كتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر"، وهو يتحدث عن جهود العلماء في التأليف في علم غريب الحديث: "وكان في زماننا أيضاً، الإِمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، كان متفنناً في علومه،
(1) مجلة "العربي"، العدد 480، نوفمبر 1998 م.
متنوعاً في معارفه، فاضلاً، لكنه كان يغلب عليه الوعظ"، فتأمل هذا الاستدراك الذي يوشك أن يسلب الوعاظ فضيلة في مجال الفكر والعلم.
وقد كتبت عن الشيخ الشعراوي كلمة بمجلة "الهلال" فبراير 1994 م أبنت فيها عن علمه، وكشفت فيها عن المخبوء تحت طي لسانه، وانتهيت إلى أن الشيخ يمثل صورة زاهية للعالم الأزهري المؤسس على علوم العربية وقوانينها، من حفظ اللغة - قريبها وغريبها - وحفظ الشعر واستظهار المتون، وإتقان التعريفات، والنظر في الحواشي والتقريرات. ومن وراء ذلك ما يفتح الله به عليه، ويكشفه له من بعض أسرار الذكر الحكيم، فإن هذا القرآن الكريم" لا يخلَق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه" كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي والدارمي.
وكنت قد ذكرت في كلمتي عناية الشيخ باللغة في مستوياتها الأربعة: النحو والصرف والأصوات والدلالة، وأضيف اليوم شيئاً عجيباً سمعته أخيراً في حلقة تلفزيونية، جاء في كلام الشيخ "البشارة والنذارة" يريد التبشير والإِنذار.
و"النذارة" بكسر النون بمعنى الإِنذار، مما أثر عن الإِمام الشافعي فقط، والشافعي لغته حُجة، وهو من أئمة اللسان، كما ذكر الفيومي في المصباح "بعض". قال صاحب القاموس المحيط:"والنذير: الإِنذار، كالنذارة بالكسر، وهذه عن الإمام الشافعي".
قلت: وقد جاء تصديق كلام الفيروزآبادي هذا، في النسخة الخطية من "الرسالة" للشافعي، وهي بخط الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي، وعليها توقيع الربيع سنة "265 هـ". والنسخة محفوظة بدار الكتب المصرية، وهي من أقدم المخطوطات في العالم. ويقول الشيخ أحمد شاكر في وصف هذه النسخة: "وأما الثقة بها فما شعت من ثقة: دقة في الكتابة، ودقة في الضبط
…
ومن اقوى الدلالة على عنايته بالصحة والضبط: أنه وضع كسرة تحت النون في كلمة "النّذارة"، وهي كلمة نادرة لم أجدها في المعاجم إلا في القاموس، ونص على أنها عن الإِمام الشافعي".