الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل أدلّكم على تجارة
؟ (1)
مؤسسة الفرقان للتراث الإِسلامي بلندن - وراعيها معالي الشيخ أحمد زكي يماني - ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، وجائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة محمد حسن فقي الشعرية، وجائزة سلطان بن علي العويس بالشارقة، ومؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإِبداع الشعري بالكويت، وجائزة الشيخ عبد الله مبارك الصباح للآداب والفنون بالكويت: نجوم تلألأت في سماء الثقافة العربية، فبددت ظلمة غشيت أمتنا العربية، أطبقت عليها زمناً، وصيحات دوت في سمع الدنيا، فحركت جسداً خامداً ظنوا أنه ميت وما هو بميت، ولو قدر لهذه الجهود الطيبة الراشدة أن تنمو وتطرد، وألا تقف في أوائل الطريق أو منتصفه لكان الحال غير الحال.
ولما كانت هذه الشموس قد طلعت في أفق الجزيرة العربية ودول الخليج العربي، فقد يسرع إلى الخاطر أن هذا البذل وذلك السخاء مرتبطان بتلك الثروة البترولية التي أفاءها الله على القوم في العقود الخمسة الأخيرة، وهذا سبب معين بلا شك، ولكن ليس هو كل الأسباب، فإن الله جلت قدرته وعظمت حكمته حين يسَّر لتراث العربية من نذروا أنفسهم لتصنيفه وجمعه وتسجيله، في جهاد دائب لم تشهده أمة من الأمم، ولم تعرفه ثقافة من الثقافات، قد تمم الفضل وأكمل النعمة بأن هيأ لذلك التراث أيضاً من عملوا على نشره وإذاعته، وتكريم أهله، والأخذ بأيديهم، لا يضنون بجهد أو مال، فقد وقف كثير من أهل اليسار والسعة وراء أهل العلم،
(1) مجلة "العربي"، العدد 458، يناير 1997 م.
وجعلوا من أموالهم نصيباً مفروضاً لطبع الكتب وتعميم النفع بها.
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بدأ نهر الخير يتدفق على يد هؤلاء الأثرياء الأبرار الذين سعوا في طبع أصول الكتب العربية، ولن يتسع المقام هنا لذكر أولئك الأثرياء، فلنكتف بأبرزهم، وأولهم: العلامة أبو الطيب صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني القِنَّوْجي البخاري، وهو أحد رجال النهضة الإِسلامية المجددين، وصاحب المؤلفات الشهيرة: الدين الخالص، وأبجد العلوم، والتاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول، وكان هذا الرجل مع اشتغاله بالعلم والتصنيف ميسوراً صاحب ثروة، ففد تزوج بملكة بهوبال، فعظم شأنه وكثرت ثروته، وقد كان من فضل الله على هذا الرجل أن وفقه لأن يطبع على نفقته أعلى كتاب في شروح الحديث، وهو "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر العسقلاني المصري الشافعي.
ومن هذه الطائفة النبيلة: أحمد بك أحمد الحسيني الشافعي المحامي، المولود بالقاهرة سنة 1271 هـ= 1854 م، اشتغل بالمحاماة ونبغ فيها، ثم انقطع للتأليف، فكانت له رسائل معظمها في الفقه الشافعي. وقد أنفق هذا السري النبيل الكثير على طبع كتاب "الأم" للإِمام محمد بن إدريس الشافعي، وقد سمعت من مشايخي من أهل العلم، وعلماء المخطوطات أن السيد أحمد الحسيني هذا، باع "عزبة" من أملاكه للإِنفاق على طبع كتاب "الأم".
ومن وراء هذين الاسمين الكبيرين نرى أسماء كثيرة مضت في ذلك الطريق العظيم.
ولم يقف الأفراد وحدهم لطبع الكتب على نفقتهم، فقد رأينا في ذلك الزمان قيام جماعات من أهل العلم ومحبيه لنشر الكتب الموسوعية، نذكر منها جمعية المعارف بمصر، التي أسسها محمد عارف باشا عام 1868 م، وقد وصل أعضاء هذه الجمعية إلى "661" عضواً، وشركة طبع الكتب العربية سنة 1898 م. بل إن جماعة من أهل الخير في مكة المكرمة قد نشطوا للإِنفاق على طبع كتاب خزانة الأدب
لعبد القادر البغدادي، وهو أكبر وأهم كتاب في شرح شواهد العربية. وقد تم طبع هذا الكتاب بمطبعة بولاق سنة 1299 هـ= 1882 م، وجاء في أربعة أجزاء ضخام، وطبع بهامشه كتاب شرح الشواهد الكبرى لبدر الدين العيني.
وهذه أسماء أهل مكة الذين ساهموا في طبع هذا الكتاب الجليل، كما ذكرها مصحح الكتاب الشيخ محمد قاسم، قال:"هذا وكان حسن طبعه وزهر ثمر طلعه على ذمة عصابة أجلة نبلاء، لهم في نشر العلوم والمعارف اليد البيضاء، فاستحقوا بذلك الثناء الجميل. وهاك مقادير حصصهم على هذا التفصيل: فقيراط ونصف لتاج المفتين حضرة الفاضل الشيخ عبد الرحمن سراج، مفتي بلد الله الأمين، وثلاثة قراريط لحضرة العلامة الشيخ عبد الرحمن الشيبي عمدة الأماثل، وقيراط ونصف للسامي الماجد حضرة الشيخ أحمد المشاط عين الأماجد، وثلاثة قراريط لذي القدر السني حضرة الحاج عبد الواحد الميمني، وثلاثة قراريط لذي المورد الهني حضرة الحاج حسين بن عبد الله الميمني، وستة قراريط لذي المشرب الأدبي حضرة الفاضل الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد الباز الكتبي، وستة قراريط للمستعين بربه الغني حضرة الحاج أبي طالب الميمني".
وهنا تنبيهان: الأول: أن مصحح الكتاب لم يذكر أن هؤلاء الأعلام من أهل مكة المكرمة، ولكني عرفتهم من خلال إقامتي بالبلد الحرام، ورأيت أسماءهم تتردد في سلسلة أبنائهم وأحفادهم وعائلاتهم.
والثاني: أن هؤلاء الرجال المكيين الذين أنفقوا على طبع الكتاب سنة 1299 هـ= 1882 م، لم ينفقوا عليه من عائد البترول، فلم يكن البترول قد عرف يومئذ بتلك البلاد، فالأمر راجع إلى عزائم الرجال لا إلى كثرة الأموال.
وهكذا اجتمع على طبع التراث العربي بمصر، في أواخر القرن التاسع عشر، الهندي والمصري والحجازي والحضرمي، وغيرهم ممن لم يبلغنا خبره، وهو تجمع عربي إسلامي شامخ، قبل أن تكون للعرب جامعة، وقبل أن يوجد للإسلام منظمة.