الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و "صنعة" بالصاد أيضاً بعدها نون ثم عين مهملة. والآية الثانية قرئت "أشاء" بالشين المعجمة، و "أساء" بالسين المهملة، والآية الثالثة قرئت "منه" بكسر الميم وسكون النون ثم هاء، و "منه" بكسر الميم أيضاً وتشديد النون ثم تاء معقودة "مربوطة".
وقد ردَّ الشيخ هذا الاختلاف إلى خلو الكلمات من النقط، فقرأ كل قارئ بسليقته اللغوية وما أدته إليه ملكته العربية.
صنعة أم صبغة
؟
وبدءة ذي بدء: فإن قراءة "صنعة الله" بالنون والعين التي ذكرها الشيخ لم أجدها في قراءة متواترة ولا شاذة، ولست أدري من أين جاء بها الشيخ؟ وقد وجه أهل التفسير الآية على معنى "صبغة" ليس غير. قال الزمخشري في الكشاف 1/ 316 "وهي فعلة من صبغ كالجِلسة من "جلس"، وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ. والمعنى: تطهير الله، لأن الإِيمان يطهر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية، ويقولون: هو تطهير لهم، فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم: قولوا آمنا بالله، وصبغنا الله صبغة لا مثل صبغتكم.
وأما القراءتان الأخريان "أصيب به من أساء" بالسين المهملة، و "جميعاً منة" بكسر الميم وتشديد النون والتاء المعقودة، فهما قراءاتان شاذتان، كما ذكر ابن جني في "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" 1/ 261 - 2/ 262، والقراءات الشاذة لا تعد من القرآن ولا يتعبد بتلاوتها، وإنما تذكر في مجال الاستشهاد للغة والنحو، فلا ينبغي أن نتشاغل بها، ومن باب الأولى ألا نذكرها أمام العامة. وقد ذكر الشيخ الشعراوي أن حماداً الراوية قرأ "من أساء" بالسين، لكن فاته أن الراغب الأصبهاني قد عد ذلك من زلات حماد وتصحيفاته. (انظر: محاضرات الأدباء 1/ 110).
ثم أعود إلى قضية خلو المصحف الشريف من النقط والإِعجام، وهو الذي يراه الشيخ سبباً رئيساً في تعدد القراءات واختلافها، وهي قضية خطيرة جداً، وليس
الشيخ الجليل "أول سار غرَّه القمر"، ولعل أول من نقب هذا النقب في زماننا هو المستشرق المجري جولدزيهر "1850 م - 1921 م"، فقد ذكره في كتابه "مذاهب التفسير الإِسلامي" الذي ترجمه الأستاذان علي حسن عبد القادر، وعبد الحليم النجار، قال في ص 8 كلاماً عن اختلاف القراءات القرآنية ختمه بقوله:"وإذاً فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط واختلاف الحركات في المحصول الموحد الغالب من الحروف الصامتة كانا هما السبب الأول في نشاة حركة اختلاف القراءات، في نص لم يكن منقوطاً أصلاً، أو لم تتحر الدقة في نقطه أو تحريكه".
وكذلك ردد هذا الرأي المستشرق الأسترالي الأصل آرثر جفري، وذكره في مقدمة تحقيقه لكتاب "المصاحف" لابن أبي داود، قال في ص 7 من المقدمة:"وكانت هذه المصاحف - يعني المصاحف التي بعثها عثمان إلى الأمصار - كلها خالية من النقط والشكل، فكان على القارئ نفسه أن ينقط ويشكل هذا النص على مقتضى معاني الآيات".
وقد تابع هذين المستشرقين بعض العلماء العرب، من الجامعيين وغيرهم، وأذاعوه في كتبهم، لكن طائفة أخرى من علمائنا ردوا على "جولدزيهر" رأيه وأسقطوه بأدلة قاطعة، من الآثار والتاريخ ونصوص القرآن الكريم نفسه، ومن أبرز هؤلاء: الدكتور عبد الفتاح شلبي، في كتابه "رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم"، والشيخ عبد الفتاح القاضي في كتابه "القراءات في نظر المستشرقين والملحدين".
وقد كتبت أنا في هذه القضية غير مرة، لكني أعيد الكلام فيها الآن، للذي ذكرته لك أيها القارئ الكريم من مجيء هذا الوهم على لسان فضيلة الشيخ الشعراوي، وهو رجل مجموع له الناس، ومتبوع مسموع. وأيضاً فإن لمجلة "العربي" عند الناس مكاناً، ولما يكتب فيها ذيعاً وانتشاراً، فلعل عرض هذه القضية على صفحاتها وبيان وجه الصواب فيها، ما يحسم مادة الخلاف، ويقطع أسباب الشبهة إن شاء الله.