الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1946 م، كان رائداً في هذا المجال، فدل الناس على أماكن المخطوطات، وفتح أمامهم قضاياها ومشكلاتها، فتعددت بعد ذلك مراكز تجميع المخطوطات وصورها، في الجامعات العربية، أو في مراكز البحوث التابعة لها، ثم عقدنا للمخطوطات أكثر من مؤتمر، وأصدرنا أكثر من توصية، وهذا كله عمل صالح وجيد ومطلوب، وينبغي ألا نتوقف فيه عند حد، فلا يزال في الزوايا خبايا. لكننا في الوقت نفسه أهملنا شأن المطبوعات، إلا ما كان من بعض الرسائل الجامعية المحدودة التي تظهر هنا وهناك، وبعض الندوات التي أقيمت حول الطباعة العربية، ولعل أهمها وأبرزها تلك الندوة التي أقيمت في أكتوبر الماضي بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، لكن هذه الجهود كلها تدور حول تاريخ الطباعة العربية، والذي أدعو إليه اليوم شيء آخر، وهو باختصار شديد "تجميع الكتاب العربي المطبوع".
تفاصيل المشروع:
لقد بدأت الطباعة العربية بمدينة فانو Fano بإيطاليا، في أوائل القرن السادس عشر، ثم تعددت المطابع العربية بعد ذلك في أوروبا وبلدان الشرق، وفي مقدمتها الأستانة "استانبول" ثم كانت الوثبة الكبرى للطباعة العربية بمطبعة بولاق بمصر، التي بدأت نشاطها نحو سنة 1820 م.
وإذا كان من أقدم المطبوعات العربية كتاب "الكافية" في النحو لابن الحاجب، الذي طبع في روما بإيطاليا سنة 1592 م، و "القانون" في الطب لابن سينا الذي طبع في روما أيضاً سنة 1593 م، فإن هذه أربعمائة سنة في تاريخ الطباعة العربية، أخرجت المطابع خلالها ألوف الألوف من الكتب العربية الكبار والأوساط والصغار، في مختلف العلوم والفنون والآداب.
وهذه الكتب المطبوعة أودعت مكتبات عامة ومكتبات خاصة، فالذي أودع منها في المكتبات العامة سجل ودوِّن في فهارس، أما الذي أودع في المكتبات الخاصة فهو في غالب أمره محفوظ مرعي ما دام صاحب المكتبة حياً يرزق، فإذا ما جاء أمر الله ولم يكن له ولد من أهل العلم، تفرقت هذه الكتب بدداً.
ومما ينبغي التنبيه إليه أن بعض هذه المكتبات الخاصة تحتوي على بعض المطبوعات النادرة التي ربما لا توجد في المكتبات العامة، وتعليل ذلك سهل، فإن صاحب المكتبة الخاصة يحرص على اقتناء النوادر والنفائس، وهو يجمع الكتب على عينه، ويتعهدها بالحفظ والرعاية، وأيضاً فإن قانون الإِيداع الذي كان يلزم الناشرين وأصحاب المطابع بإيداع نسخ من المطبوعات في دور الكتب الوطنية، لم يكن معروفاً في تلك الأيام، وعلى هذا فكثيراً ما بحثنا عن كتاب مطبوع قديماً في دار الكتب المصرية فلم نجده فيها، على كثرة مخزونها ومحفوظها، ثم وجدناه في مكتبة شيخنا محمود محمد شاكر أو السيد أحمد صفر أو حسن كامل الصيرفي، ومن إليهم من محبي الكتب وجامعيها، وقل مثل هذا في سائر الأقطار العربية والإِسلامية.
على أن هذه الكتب التي تقادم عهد طباعتها قد صارت الآن في حكم المخطوطات، في ندرتها وصعوبة الحصول عليها، ثم في قلة العارفين بها، وهذه مسألة في غاية الأهمية، فإن للمطبوعات علماء، كما أن للمخطوطات علماء، ويتجلى علم علماء المطبوعات في معرفة أماكن طبع الكتاب، وعدد طبعاته، وفرق ما بين هذه الطبعات، وقد أدركت جيلاً عظيماً من علماء المطبوعات هؤلاء، منهم محمد رشاد عبد المطلب في مصر، وأحمد عبيد بدمشق، والفقيه التطواني بمدينة سلا من المغرب، والحاج مظفر أوزاق باستانبول، وقد انتقلوا جميعاً إلى رحمة الله، ويخشى أن يوصد هذا الباب بموت هؤلاء العلماء، على ما جاء في الحديث الصحيح:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلَّوا وأضلَّوا".
وقد بدأت آثار غياب هذا العلم تظهر، فأنت تقرأ الآن مثلاً رسالة جامعية في مصر، تتناول قضية من قضايا تاريخ الأندلس أو المغرب، فترى فجوات كثيرة ونقصاً ظاهراً لغياب بعض المراجع الأندلسية والمغربية عن ذلك الطالب الذي يعد رسالته في مصر، وأنَّى لمثل هذا الطالب أن يحصل على مرجع من مطبوعات تونس، أو مطبوعات فاس الحجرية القديمة؟
والذي يقال عن غياب بعض المراجع الأندلسية والمغربية المطبوعة في فاس أو تونس، قديماً، يقال أيضاً عن مطبوعات كثيرة في مختلف العلوم والفنون طبعت في مصر في أوائل الطباعة العربية بمطبعة بولاق، أو بالمطابع الأهلية التي انتشرت بالعشرات وبما فوق العشرات، في قلب القاهرة المعزية حول الأزهر والحسين، وكثير من طلبة العلم الآن لا يعلمون شيئاً عن هذه المطبوعات، ولذلك تأتي بعض دراساتهم وأبحاثهم وبها جهات من النقص كثيرة.
ولو أنك جئت الآن إلى معيد بإحدى الكليات الأدبية، وسألته مثلاً عن هذه الكتب الثلاثة: الفتح - أو الفيح - القسي في الفتح القدسي، والفلاكة والمفلوكون، والمكاثرة عند المذاكرة، لمن هي؟ ومتى طبعت وأين؟ لما عرف أن الأول للعماد الأصفهاني، وانه طبع بمطبعة الموسوعات بمصر سنة 1321 هـ= 1903 م، وأن الثاني لشهاب الدين الدلجي، وأنه طبع بمطبعة الشعب بمصر سنة 1322 هـ= 1904 م، وأن الثالث لجعفر بن محمد الطيالسي، وأنه من مطبوعات معهد الشرقيات بجامعة استانبول سنة 1956 م
…
وهذا باب واسع جداً.
وإذا تركنا حديث الكتب العربية المطبوعة قديماً وغيابها عن طلبة العلم، وجئنا إلى الكتاب العربي المطبوع حديثاً، فإنا نجد هذه الظاهرة أيضاً: ظاهرة غياب الكتب عن طلبة العلم ودارسيه. لقد تعددت جهات طبع الكتاب العربي الآن، ولم يعد الأمر مقصوراً على الناشرين من التجار وأصحاب المطابع، فقد دخل إلى الميدان كثير من الهيئات والمراكز العلمية التابعة للجامعات العربية أو المستقلة عنها، يمولها نفر من أهل الخير الذين ذكرت بعضاً منهم في صدر حديثي، وكثير من مطبوعات هذه الهيئات والمراكز لا يعرض للبيع، وإنما يقصر على الإِهداء، وهذا الإِهداء دائرته محدودة جداً، وفيه بعض الآفات، وهو أنه يقدم أحياناً لمن لا يعرف قدره، أو لا يدرك وجه النفع منه، وأعرف بعضاً ممن تهدى إليهم الكتب كانوا يتركونها في الفندق استثقالاً لحملها، أو فراراً من مؤونة وزنها في شركات الطيران، وقد كتبت كثيراً في هذا الأمر، فلم يبق إلا الإِيداع في دور الكتب العامة في البلدان