الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
تاج العروس" .. والزمن البعيد
(1)
كتب الأستاذ سامح كريم في "الأهرام الأدبي" من الأسبوع الماضي كلمة سمَّاها: "تاج العروس والاهتمام بتراث الأجداد"، وقد نشر بهذه الكلمة أمجاداً وآثاراً وأشجاناً.
أما الأمجاد ففد تجلَّت في شخصية أبي الفيض المرتضى محمد بن محمد الهندي مولداً، الزَّبيدي - بفتح الزاي - اليمني نشأة، المصري حياة ووفاة. وهو علم من أعلام النهضة العربية في القرن الثاني عشر الهجري - الثامن عشر الميلادي (توفي سنة 1205 هـ يوافق 1790 م) أي قبل دخول نابليون بحملته مصر بثماني سنوات.
وهذه الحقبة من الزمان يصنِّفها بعض أهل زماننا بعصور الظلام والاحتلال العثماني لمصر، وواقع تاريخنا الفكري يقول غير هذا.
ففي ذلك الزمان وما قبله ببعض العقود، شهدت الساحة العربية أعلاماً كباراً، جمعوا تراث العرب وأضاءوه وأحيوه ونفخوا فيه. يذكر التاريخ منهم: عبد القادر البغدادي صاحب "خزانة الأدب"، والشوكاني صاحب "فتح القدير"، و "نيل الأوطار"، وصاحبنا الزَّبيدي فى كتابه " تاج العروس "، و "إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين".
ويُعد " تاج العروس " أكبر معجم عربي فاق "لسان العرب" لابن منظور، فقد بلغ مجموع جذور اللسان (9273) جذراً، على حين بلغ مجموع جذور التاج
(1) جريدة "الأهرام"(مصر)، 17 فبراير 1998 م.
(11978)
جذراً، ومن وراء ذلك فإن لتاج العروس أهمية أخرى، وهو أنه عني إلى جانب اللغة بضبط المشتبه من الأعلام والأنساب والألقاب، كما عني بكتب الطب والنبات وسائر المعارف العامة. ثم كانت له عناية فائقة بالبلدانيات والجغرافية العربية، وبخاصة جغرافية اليمن ومصر، وما أكثر المواضع في هذين البلدين التي يقول فيها: رأيتها أو شاهدتها - انظر على سبيل المثال مادتي: شبر - حلل، وتأمل أسماء البلاد " شبرا - والمحلة "، فقد أحصاها عدداً، وذكر أنه رأى بعضها ودخلها.
لكل هذه الأسباب اتجهت أنظار الناشرين مبكراً إلى طبع هذا الكتاب الجليل، فكانت أول طبعة له طبعة جمعية المعارف بمصر من سنة 1868 م - 1870 م. لكنها طبعت خمسة أجزاء فقط. ثم توقفت. وبعد ذلك خرجت منه طبعة كاملة في عشرة مجلدات كبار سنة 1888 م بالمطبعة الخيرية لصاحبها عمر حسين الخشاب [وهو جد الدكتور يحيى الخشاب رحمه الله].
ويذهب زمان ويجيء زمان، وفي أوائل الستينات الميلادية تقوم وزارة الإِرشاد والأنباء بدولة الكويت بمشروع عظيم لنشر كتب التراث، وقد أعدت لهذا المشروع عدته، فاختارت نصوصاً عالية، ومحققين كباراً.
ثم كانت الوثبة الكبرى في نشر تاج العروس للزَّبيدي، فوزعت أجزاؤه على طائفة من المحققين الأثبات، وصدر الجزء الأول منه سنة 1385 هـ = 1965 م.
وهذا هو موضع الأشجان من كلمة الأستاذ سامح كريم، لقد قدر لهذا الكتاب أن يكون في أربعين مجلداً، وقد تم تحقيق هذه المجلدات كلها، لكن الذي تم طبعه منها إلى الآن تسعة وعشرون جزءاً فقط، وبقي أحد عشر جزءاً.
ولمَّا كنا الآن في سنة 1998 م، فيكون قد مضى على صدور الجزء الأول ثلاثة وثلاثون عاماً، وهو زمن بعيد جدّا، فقد صار "العروس" شيخاً، وأوشك "التاج" أن يسقط من فوق رأسه، وهذا التراخي في إخراج كتاب هو من عمد تراثنا اللغوي لا يقبل من دولة تملك المال، وتعرف للثقافة حقها وتقدر العلم قدره، ولها في نشر العلم والتنمية الثقافية مكان ومكانة.
إن مطبعة بولاق بمصر قد أخرجت طبعة محررة من "لسان العرب" لابن منظور في عشرين مجلداً، في خلال ثماني سنوات من سنة 1300 هـ إلى سنة 1307 هـ، وكذلك أخرجت مطبعة بولاق كتاب "المخصص" لابن سيده، في سبعة عشر مجلداً، في ست سنوات، من سنة 1316 هـ إلى سنة 1321 هـ، ولم يكن هناك كمبيوتر ولا جمع تصويري، ولكنها عزائم الرجال وصلاح الأزمان!
إن مهمة طبع "تاج العروس" قد انتقلت من وزارة الإِعلام إلى المجلس الوطني للثقافة، فهل يطلب الأستاذ سامح كريم من صديقه الأمين العام للمجلس الدكتور سليمان العسكري أن يفزع ويفرغ لهذا الكتاب العظيم، إن الأجزاء الباقية منه لن تأخذ أكثر من حولين كاملين لمن أراد أن يتم هذا العمل الجليل، والله الهادي والمعين.
* * *