الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما المسؤول عنها بأعلم من السائل
(1)
ابنتي طالبة بقسم اللغة العربية بإحدى كليات الاداب، وأنا أعلم العربية في كلية مناظرة، فكان حقًا على أن أكون في عون ابنتي فيما يشكل عليها مما تدرس من علوم العربية، ويشق على المدرس كثيرًا أًن يمارس عمله مع أبنائه، لكني أغالب هذا الشعور استجابة لعاطفة الأبوة، لكني أيضًا أقف عاجزًا أمام كثير مما تدرسه ابنتي، وبخاصة ما يتصل بعلوم النقد الأدبي والبلاغة والأدب المقارن وتحليل النصوص، فكثير مما يقدم من هذه العلوم للطلبة الآن كلام عجيب حقًا، وليس له من العربية إلا الحروف والأفعال والأسماء، مصبوبًا ذلك كله في نظام نحوي صحيح في جملته، لكنك إذا أردت أن تخرج منه بمعان أو دلالات ذات معنى أعجزك ذلك، فهو كلام "تعقل مفرداته ولا تفهم مركباته" كما وصف ابن دقيق العيد كلام ابن سبعين الصوفي، وأحيانًا لا تعقل مفرداته، ولذلك يعجزني- على كثرة ما قرأت وحفظت- أن أجيب ابنتي على ما تسأل، وكثيرًا ما أجيبها:"ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، ثم أصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد لجأت إلى زملائي الذين يعرفون لغة القوم، من أصحاب الألسنية والبنيوية والتفكيكية، ليدلوني على أمثل طريقة لتفهم ابنتي ذلك الكلام، فقالوا: لا سبيل أمامها إلا أن تحفظ ذلك الكلام بحروفه لتضعه كما هو في ورقة الإِجابة.
وهذا رأي خطير جدًا، لأن معناه أن يتحول الطالب إلى ببغاء يردد دون أن
(1) مجلة "الهلال"، أبريل 1996 م.
يفهم، ومعناه أيضًا أن يفقد الطالب القدرة على أن يؤدي بألفاظ من عنده كلام أستاذه، وهو ما ترفضه نظريات التربية القديمة والحديثة.
وقد حاولت أنا فعلًا أن أجد كلمات مرادفة لهذا الذي تقرؤه ابنتي من كلام أساتذتها، فلم ارجع بشيء ذي بال، وكنت حريًا أن أذكر شيئًا من هذا الذي تعانيه ابنتي وأعانيه معها، ولكني لا أريد أن أحمل "الهلال" وزر هذا الكلام والرد عليه، لكنه في الجملة كلام يدور حول التناص والتماهي والتفكيك والتفجير اللغوي، والإِشكالية- إشكالية أي شيء؛ مع تلك البدعة الغريبة: بدعة "الأسطورة والأساطير" في الأدب العربي، فكل معاني الشعر الجاهلي وصوره وأخيلته مردودة إلى الأسطورة ومحمولة عليها ومفسرة بها.
وإن تعجب فعجب أن بعض الذين يكتبون هذا الكلام الغامض المعمًّى هم ممن نشأوا بالأزهر وتخرجوا في دار العلوم، والأصل في من يتخرج في هذين المعهدين أن يكون عربي الوجه واليد واللسان، ولكن هكذا كان، وربك يفعل ما يشاء.