الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الندواتية
(1)
وأخيرًا، وبعد صبر وترقب وطول انتظار من الله علي ودعيت إلى ندوة من تلكم الندوات التي تتوالى في هذه الأيام كما تتوالى دفعات المطر، وقد كثرت هذه الندوات كثرة ظاهرة، فلا تمُسي بك ليلة بندوة حتى يأتيك صباح بأخرى.
وفي تلك الندوات تلتقي بثلاث فئات: رئيس الجلسة والمتحدث والمعقب، وترى بين الثلاثة ودا صافيا وانسا عذبا. فهذا غني عن التعريف، وذاك ترك أعمالاً جليلة ليشارك في ندوتنا هذه، وثالث يتواضع ويقول: إنه لا يستحق كل ذلك الثناء (ويعلم الله أن بداخله كبرًا يكفي أمة).
ويمضي النقاش بين الثلاثة ملفَّقًا في ثياب المصانعة والمس الرقيق، ثم يختم بهذه العبارة الحانية: إن هذه الملاحظات لا تغض من قيمة البحث الذي استمتعنا به اليوم، "ويعلم اللهّ أنها تغض وستين تغض كمان"، وهكذا تسير الأمور، وإذا سمعت شغبًا أو حدة أو ارتفاعًا في الأصوات، فلا تظن أن المسألة دخلت في باب الجد، وإنما هو من قبيل قول الأحوص في عاتكة:
إني لأمنحك الصدود وإنني
…
قسمًا إليك مع الصدود لأميل
لأن "الندواتية" يحب بعضهم بعضًا، ويحرصون على استبقاء الود بينهم، ترقبًا للندوات القادمة، ولعلهم مقدمون على خطوة كالتي خطاها كتاب بريد الأهرام، فنسمع عن تكوين "أصدقاء الندوات"، وقد أصبحت أسماء "الندواتية" مكرورة ومعروفة كأسماء كتاب بريد الأهرام تمامًا.
(1) مجلة "الهلال"، أبريل 1997 م.
لكني أشهد أن بعض هذه الندوات تعالج قضايا جادة، وتتناول شخصيات كبيرة، وأنها يعد لّها إعدادًا جَيدا، َ ولكن ي فُسد ذلك كله المصانعة والاستخفاف، والمشاركة دون الاحتشاد وامتلاك الأدوات، وانظر الكلمة الأخيرة في عدد سابق من الهلال لأستاذنا الدكتور الطاهر أحمد مكي".
ثم أشهد أيضًا أن من بين هؤلاء "الندواتية" أناسًا أَهل فضل وعلم، ولو أنفقوا هذا الوقت مع تلاميذهم في الجامعة، أو مع كتبهم وتصانيفهم لكان ذلك أنفع وأجدى على الفكر والأدب؟ لأن كثيرًا مما يطرح في هذه الندوات ومثلها المؤتمرات العلمية كلام في كلام، وقديمًا ما نبَّه الناس إلى أن كثرة القول مفسدة للعمل، فقال القائل:"زيادة القول تحكي النقص في العمل"، وقال أبو العلاء في لزوميًّاته:
إذا كثر الناس شاع الفساد
…
كما فسد القول لما كثر
والله