الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبراهيم بن هَرْمة (176 هـ) ومما قاله ابن جني في ذلك عندما استشهد بشعر المتنبي: "ولا تستنكر ذكر هذا الرجل -وإن كان مولَّداً- في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه ولطف متسربه، فان المعاني يتناهبها المولَّدون كما يتناهبها المتقدمون "الخصائص 1/ 24 ومن أقواله فيه أيضاً: "وحدثني المتنبي شاعرنا، وما عرفته إلا صادقاً"، الخصائص 1/ 239، "وذاكرت المتنبي شاعرنا نحواً من هذا"، الخصائص 2/ 403، وكان يفاوضه في أمور من النحو والصرف، منها قوله:"ودار بيني وبين المتنبي في قوله "وقلنا للسيوف هَلُمُّنا" كلامٌ فيه طول" سر صناعة الإِعراب ص 722.
وحين مات المتنبي رثاه ابن جني بقصيدة أولها:
غاض القريض وأودت نضرة الأدب
…
وصوَّحت بعد ريّ دوحة الكتب
فهل تصدق بعد ذلك ما يقال عن عداوة ومُدابرة بين النحاة والشعراء؟
ثم هل بقي بعد ذلك موضع لقول الأستاذ الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي: "والمبالغة في الاهتمام بالنحو ليست دائماً دليلاً على نهضة أدبية أو حاسة لغوية يقظة، بل ربما كانت بالعكس دليلاً على ضعف السليقة وانحطاط الملكة"، هل بقي موضع لهذا الكلام؟ إلا أن يكون الأستاذ حجازي يريد نحواً آخر، وأدباً آخر غير اللذين يعرفهما الناس في تراثنا العربي.
كلام فظيع جداً:
ثم نأتي إلى أخطر شيء في كلام الأستاذ الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وهو قوله في سياق الحديث عن عصور الانحطاط التي يسود فيها الاهتمام بالنحو والعروض، يقول:"وكذلك في عصور الانحطاط التي شهدها الأدب العربي في العصر المملوكي، ففي ذلك العصر الذي تراجع فيه الشعر وتدهورت الكتابة ظهر ابن منظور وابن هشام". انتهى كلام الأستاذ حجازي بنصه وفصِّه، وهو كلام فظيع جداً، مفزع جداً، وهو فظيع جداً، ومفزع جداً؟ لأنه دال بصريح اللفظ على أن ابن منظور
وابن هشام آيتان من آيات الضعف، ومظهران من مظاهر الانحطاط.
وأنا أسأل الشاعر الكبير، وأقول له: من أنبأك هذا؟ ثم ما هي جريرة ابن منظور وابن هشام عندك حتى تهوي بهما إلى مكان سحيق من التخلف والانحطاط؟ أهو شيء استنبطته أنت بقراءاتك، وقامت لك شواهده، ولمعت أمامك أدلته، فنبئنا بتأويله؟ أم هو كلام سقط إليك مما نقرأه من البلايا التي تصب علينا هذه الأيام، تريد أن تغتال تاريخنا اغتيالاً، تحت شعار: تنوير العقل العربي؟ فدُلَّنا على مصدر هذا الكلام، واخرج من العُهدة فيه.
وابن منظور هنا: هو جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الإِفريقي المصري، ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل رُوَيْفع بن ثابت، والإِفريقي في نسبه معناها التونسي، فقد كانت إفريقية في ذلك الزمان يراد بها تونس الآن.
ولد ابن منظور يقيناً بالقاهرة سنة 630 هـ، ونشأ بها وتعلم وصنّف، وتوفي بها أيضاً سنة 711 هـ، وخلاصة أمره أنه كان مشتغلاً بالأدب نظماً ونثراً، مع معرفة بالنحو واللغة والتاريخ، وتولى وظيفة كاتب الإِنشاء بالدولة، وكان كثير النسخ ذا خط حسن.
وقد عُرف ابن منظور باختصاره للكتب، فاختصر كتاب الأغاني، وهذبه ورتبه على الحروف، وقد طبع هذا المختصر في ثماني مجلدات.
ومن الكتب التي اختصرها ابن منظور أيضاً: الحيوان للجاحظ، وزهر الآداب للحُصري، ويتيمة الدهر للثعالبي، والذخيرة لابن بسام، ونشوار المحاضرة للتنوخي، وتاريخ بغداد للخطيب، والذيل عليه لابن النجار، وصفة الصفوة لابن الجوزي، ومفردات ابن البَيطار، وسرور النفس بمدارك الحواس الخمس للتيفاشي، نشره الدكتور إحسان عباس، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، ويقوم على تحقيقه الآن الدكتور رضوان السيد الأستاذ بالجامعة اللبنانية.