الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
لأن المتكلمين كانوا يتكلمون حيث ينبغي الصمت اقتداء بالصحابة والتابعين الذين سكتوا عن المسائل الاعتقادية لا يخوضون فيها، فأصبح الكلام هنا ضد السكوت؛ قال الباحث: وهذا السبب إن أريد به أن المتكلمين خاضوا بالكيفيات حتى عطلوا الصفات فهذا صحيح، وإن أريد أن الصحابة والتابعين صمتوا في معاني الصفات وفوضوها فهذا باطل.
10 -
لأن المتكلمين قوم يقولون في أمور ليس تحتها عمل، فكلامهم نظري لفظي لا يتعلق به فعل، فأصبح الكلام - هنا - ضد الفعل؛ قال الباحث: وهذا السبب ضعيف، فكثير من العلوم الخبرية لا يتعلق بها فعل ومع ذلك لا تسمى علم كلام، ثم القول بأن المتكلمين يقولون في أمور ليس تحتها عمل غير دقيق، فبعض المسائل التي يذكرها أهل الكلام يتعلق بها فعل، فالمتكلم الذي ينفي العلو مثلاً ويقول بالحلول فسيعبد الخلق، والمتكلم الذي ينفي الرؤية في الآخرة لن يدعو بها، والترك عمل.
ذم جمال الدين السرمري لعلم الكلام:
إن الإمام جمال الدين السرمري جعل قطب الرحى في التلقي الكتاب والسنة، وهما الركيزة الأساسية، ومن الأمور التي انحرف بسببه كثير من أهل الزيغ والضلال عن منهج الكتاب والسنة، بل يعد منعطفاً خطيراً زلت فيه أقدامهم، ألا وهو علم الكلام.
ففي بيان خطر هذا المزلق يقول رحمه الله:
"ولاخير في علم الكلام لأنَّه
…
خلافُ كلامِ المصطفى الطَّاهر الطُهْرِ
أدِلَّتُهُ لا مِنْ كتابٍ وسنةٍ
…
بَلى مِن كلامِ الأخطل الفَاجرِ العِرِّ (1)
يدورُ على التعطيل لا دَرّ دَرُّه
…
بتمويهِ قولٍ في المَخارجِ مُزْوَرِّ
وما قصْده نفيُ المَخارج ويحه
…
بلى قصْدُهُ نَفْيُ الكلام من السِّفْرِ
(1) العر: الجرب، وقولهم فلان عرة: العرة الذي يجني على أهله وإخوانه ويلحقهم من الجناية والأذى مثل ما يلحق العر صاحبه، وقال قوم: العرة عند العرب القذر الدنس الذي يلحق أهله دنساً وقذراً. انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 133)، لأبي بكر الأنباري، تحقيق: د. حاتم الضامن، الطبعة الأولى 1412، مؤسسة الرسالة، بيروت.
فتبّاً لهذا المَذهبِ المُذهبِ الذي
…
أقَلُّ أذى فيه بصاحبِهِ يُزْري" (1).
وذم أهله وبَيَّن الفرقان بينه وبينهم في التلقي، وأن مصدرهم آراء الرجال وزبالة أذهانهم فيقدمون العقل على القرآن والسنة فقال:
"ويكفي سُواي أنَّه مُتمسِّكٌ
…
بتعليم عِلْم المنطقِ السَّيئ النَّشْرِ
عقيدته أنَّ الكتاب وسُنَّـ
…
ـة النَّبي معاً ليسا دليلاً على أمْرِ
ولكن دليلُ الأمر والنهي عنده
…
نتيجة أفكارٍ على عقْله يَحْري" (2).
وقد حذر السلف من هذا المنهج الباطل وأجمعوا على ذم الكلام وأهله.
قال أبو عمر بن عبدالبر: "أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم"(3).
وقال الشافعي رحمه الله: "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويُطاف بهم في
العشائر والقبائل، هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام" (4).
وقال أيضاً: "اعلم أني اطلعتُ من أهل الكلام على شيء ماظننته قط، ولأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام"(5).
وقال الإمام أحمد: "لا يفلح صاحب كلام أبداً، علماء الكلام زنادقة"(6).
وقال الإمام البربهاري: "واعلم أنها لم تكن زندقة، ولا كفر، ولا شكوك، ولا بدعة، ولا
(1) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 29 - 30.
(2)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 28.
(3)
جامع بيان العلم وفضله (2/ 193).
(4)
جامع بيان العلم وفضله (2/ 193).
(5)
جامع بيان العلم وفضله (2/ 192).
(6)
تلبيس إبليس ص 75، لابن الجوزي، الطبعة الأولى 1421، دار الفكر، بيروت.
ضلالة، ولا حيرة في الدين إلا من الكلام وأهل الكلام والجدل والمراء والخصومة والعجب، وكيف يجترئ الرجل على المراء والخصومة والجدال والله يقول:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: 4] " (1).
وقال ابن حجر رحمه الله: "وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه من خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرهاً، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف"(2).
(1) شرح السنة ص 38، للحسن البربهاري، تحقيق: د. محمد القحطاني، الطبعة الأولى 1408، دار ابن القيم، الدمام.
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/ 253)، لابن حجر، 1397، دار المعرفة، بيروت.