الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال القاضي عياض: هذا الحشر في الدنيا قبل قيام الساعة، وهو آخر أشراطها
…
والحشر الثالث: حشرهم إلى الموقف
…
قال تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47].
والرابع: حشرهم إلى الجنة والنار، قال تعالى:{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85]
…
وقال: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه: من الآية 102] " (1).
والإيمان بالحشر من أصول الإيمان باليوم الآخر.
وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري هذا الأصل بقوله:
"وفي الحشر ميزان ونار وجنة وفيه صراط للمزلة والعبر"(2).
وقد ذكر الإمام جمال الدين السرمري في هذا البيت بعض من أحوال ومواقف ومقامات الحشر، فحالات الناس في الحشر خمسة: حال البعث من القبور، وحال السوق إلى مواضع الحساب، وحال المحاسبة، وحال السوق إلى دار الجزاء، وحال مقامهم في الدار التي يستقرون فيها (3)؛ وسيأتي بيان وتفصيل المواقف التي ذكرها الإمام جمال الدين السرمري في البيت السابق في المطالب القادمة -إن شاء الله تعالى-.
المطلب الرابع (*): الميزان:
دل الكتاب، والسنة، وإجماع أهل السنة على إثبات الميزان يوم القيامة، وهو ميزان حقيقي له لسان وكفتان.
قال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8 - 9]، وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا
(1) التذكرة، ص 225.
(2)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 38.
(3)
انظر: التذكرة، ص 232.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع (الخامس)
وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]، وقال تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102 - 103]، وقال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 6 - 9].
أما من السنة: فإن الأحاديث التي جاءت في إثبات الميزان قد بلغت حد التواتر، حكى ذلك غير واحد من العلماء (1).
كما أن أهل السنة أجمعوا على القول بإثباته كما ورد في النصوص.
قال الزجاج: "أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان، ويميل بالأعمال"(2).
وقال السفاريني: "والحاصل أن الإيمان بالميزان كأخذ الصحف ثابت بالكتاب والسنة
والإجماع
…
- إلى أن قال: - وانعقد إجماع أهل الحق من المسلمين عليه
…
" (3).
فالإيمان بالميزان من أصول الإيمان باليوم الآخر.
وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري هذا الأصل بقوله:
"وفي الحشر ميزان ونار وجنة وفيه صراط للمزلة والعبر"(4).
وقال في موضع آخر: "وقد جاء أن الله تعالى يوقفُ عبداً في الحساب، فتوزن حسناته وسيِّئاته
…
" (5).
(1) نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 231، لمحمد بن جعفر الكتاني، الطبعة الثانية، دار الكتب السلفية، مصر؛ لوامع الأنوار البهية (2/ 185)؛ السلسلة الصحيحة (1/ 134) غير أن الألباني رحمه الله لم يجزم ببلوغها حد التواتر، وإنما قال:"والأحاديث في ذلك -أي الميزان- متضافرة إن لم تكن متواترة".
(2)
فتح الباري (13/ 538).
(3)
لوامع الأنوار (2/ 184 - 185).
(4)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 38.
(5)
الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 106.
وما قرره جمال الدين السرمري من الإيمان بالميزان هو مذهب أهل السنة والجماعة -كما تقدم-، وقد خالف في هذا الأصل الجهمية وجمهور المعتزلة، بل إن بعض العلماء ذهب إلى أن جميع المعتزلة تنكره، فنفوا أن يكون الميزان حقيقي، إذ زعموا أن الأعمال أعراض، والأعراض لا توزن، وإن أمكن إعادتها فلا يمكن وزنها إذ لا توصف بالخفة والثقل، وقالوا أيضاً: الوزن للعلم بمقدارها، وهي معلومة لله تعالى، فلا فائدة فيه، فيكون قبيحاً تنزه عنه الرب تعالى، وتأولوا النصوص الواردة في الميزان بأنه العدل (1)،
وقد رد عليهم العلماء وأوضحوا خطأهم في هذا التأويل الباطل، حتى إن أحد كبار أئمتهم -وهو القاضي عبدالجبار- رد على من يؤول ذلك التأويل.
يقول القاضي عبدالجبار: "أما وضع الموازين فقد صرح الله تعالى في محكم كتابه، قال الله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: من الآية 47] وقوله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
…
} الآية
…
[الأعراف: 8] إلى غير ذلك من
الآيات التي تتضمن هذا المعنى، ولم يرد الله تعالى بالميزان إلا المعقول منه المتعارف فيما بيننا دون العدل وغيره على ما يقوله بعض الناس، لأن الميزان وإن ورد بمعنى العدل في قوله:{وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد: من الآية 25] فذلك على طريق التوسع والمجاز، وكلام الله تعالى مهما أمكن حمله على الحقيقة لا يجوز أن يعدل به عنه إلى المجاز؛ يبين ذلك ويوضحه، أنه لو كان الميزان إنما هو العدل، لكان لا يثبت للثقل والخفة فيه معنى، فدل على أن المراد به الميزان المعروف الذي يشتمل على ما تشمل عليه الموازين فيما بيننا
…
" (2).
(1) انظر: شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 223) للتفتزاني؛ التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص 98، لأبي الحسين الملطي، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، الطبعة الثانية 1977 م، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة؛ فتح الباري (13/ 538)؛ مقالات الإسلاميين ص 472 - 473، لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: هلموت ريتر، الطبعة الثالثة، دار إحياء التراث، بيروت؛ كتاب المواقف (3/ 524)؛ روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني (17/ 6)، محمود الألوسي، دار إحياء التراث، بيروت.
(2)
شرح الأصول الخمسة ص 735، للقاضي عبدالجبار بن أحمد، تحقيق: عبدالكريم عثمان، الطبعة الثالثة 1416، مكتبة وهبة، القاهرة.
وقال الزجاج بعد أن ذكر الأقوال في معنى الميزان، -ومنها قول من قال: إنه العدل-: "هذا سائغ من جهة اللسان والأولى أن يتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان"(1)،
قال القشيري تعليقاً على كلام الزجاج: "وقد أحسن الزجاج فيما قال، إذ لو حمل هذا فليحمل الصراط على الدين الحق، والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد، والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة، والملائكة على القوى المحمودة - ثم قال: - وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل، وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر، وصارت هذه الظواهر نصوصاً"(2).
وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي: "ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال! وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه"(3).
(1) الجامع لأحكام القرآن (7/ 147)، للإمام القرطبي؛ فتح القدير (2/ 216)، للإمام الشوكاني، الطبعة الأولى 1414، دار ابن كثير - دار الكلم الطيب، دمشق -بيروت.
(2)
المصدران السابقان.
(3)
شرح العقيدة الطحاوية، ص 282.