الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
مسمى الإيمان ومفهومه
الإيمان في اللغة:
قال ابن فارس رحمه الله: "الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي
ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر التصديق؛ والمعنيان متدانيان
…
" (1).
وقال الراغب: "أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف"(2).
وقال شيخ الإسلام: "فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد"(3).
ولشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- رأي سديد في معنى الإيمان اللغوي، وهو من آرائه الدقيقة، واختياراته الموفقة؛ حيث اختار معنى (الإقرار) للإيمان على معنى التصديق، لأنه رأى أن لفظة (أقر) أصدق في الدلالة والبيان على معنى الإيمان الشرعي من غيرها، قال رحمه الله:" ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار، لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد"(4).
وقال رحمه الله في رده على من ادعى الترادف بين الإيمان والتصديق: " أنه -أي الإيمان- ليس مرادفاً للتصديق في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب، يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت؛ فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدق، كما يقال: كذب، وأما لفظ الإيمان، فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن
(1) معجم مقاييس اللغة (1/ 133).
(2)
المفردات في غريب القرآن ص 25.
(3)
الصارم المسلول على شاتم الرسول (1/ 519)، لابن تيمية، تحقيق: محمد عبدالله الحلواني ومحمد كبير أحمد شوردي، الطبعة الأولى 1417، دار ابن حزم، بيروت.
(4)
مجموع الفتاوى (7/ 638).
مشاهدة، كقول: طلعت الشمس وغربت أنه يقال: آمناه، كما يقال: صدقناه، ولهذا المحدثون والشهود ونحوهم، يقال: صدقناهم، وما يقال: آمنا لهم؛ فإن الإيمان مشتق من الأمن، فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر؛ كالأمر الغائب الذي يؤمن عليه المخبر، ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ: آمن له؛ إلا في هذا النوع" (1).
وقال أيضاً: "أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب، كلفظ التصديق؛ فإنه من
المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال: صدقناه، أو كذبناه، ولا يقال: لكل مخبر: آمنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له أو مكذب له؛ بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب" (2).
تعريف الإيمان شرعاً:
يحدد الإمام جمال الدين السرمري مفهوم الإيمان شرعاً: بأنه تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بكثرة العمل والطاعة وينقص بترك العلم والمعصية.
يقول في ذلك:
"وإيمانُنا قول وفعل ونيّة
…
فقولٌ كمن يقرا وفعل كمن يقري
يَقل بعصيان وينمو يضده
…
وإن قل حتى كان في زنة الذَّر" (3)
وقال في كتاب الإيمان من كتابه إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة: "وهو -أي الإيمان- قول وعمل يزيد وينقص"(4).
وهذا الذي قرره هو مذهب أهل السنة.
قال الإمام الشافعي: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين مِن بعدهم ممن أدركناهم: أن
(1) مجموع الفتاوى (7/ 291).
(2)
مجموع الفتاوى (7/ 292).
(3)
نهج الرشاد ص 31 - 32.
(4)
إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة ص 74.
الإيمان: قول وعمل ونية، ولا يجزي واحد من الثلاثة إلا بالآخر" (1).
وقال الإمام البخاري: كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلا عن من قال: الإيمان قول وعمل" (2).
وقال يحيى بن سليم: "سألت عشرة من الفقهاء -وذكر منهم: الثوري، وابن جريج، وافع،
ومالك، وابن عيينة، وغيرهم- عن الإيمان؟ فقالوا: قول وعمل" (3).
وقال الآجري رحمه الله: "باب القول بأنَّ الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح، لا يكون مؤمناً إلا بأن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث -ثم قال: - اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح؛ ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً، ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق اللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كمُلت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمناً دلَّ على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين"(4).
وقال ابن عبدالبر: " أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان
…
" (5).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أصول أهل السنة: أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"(6).
(1) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (5/ 957) ح 1593.
(2)
المصدر السابق (5/ 959) ح 1598.
(3)
المصدر السابق (4/ 930) ح 1584.
(4)
الشريعة (3/ 611).
(5)
التمهيد (9/ 238).
(6)
مجموع الفتاوى (3/ 151).