المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌د- شد الرحال إلى القبور: - منهج الإمام جمال الدين السرمري في تقرير العقيدة

[خالد المطلق]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌ الهدف من الدراسة:

- ‌خطة البحث: تشمل على مقدمة، وقسمين، وخاتمة

- ‌منهجي في البحث:

- ‌الفصل الأولعصر جمال الدين السرمري وحياته

- ‌المبحث الأولعصر جمال الدين السرمري

- ‌المطلب الأول: الحالة السياسية:

- ‌1 - سقوط مدينة بغداد عاصمة الخلافة العباسيّة:

- ‌2 - حملة التتار على الشام ومصر:

- ‌3 - الحروب الصليبية:

- ‌4 - النزاعات الداخلية:

- ‌المطلب الثاني: الحالة الإجتماعية:

- ‌المطلب الثالث: الحالة الثقافية والعلمية:

- ‌1 - وقوع كثير من البلاد الإسلامية في يد المغول:

- ‌2 - قتل العلماء وإتلاف الكتب العلمية:

- ‌3 - وفود العلماء والأدباء:

- ‌4 - غيرة السلاطين والأمراء:

- ‌5 - تعظيم المماليك لأهل العلم:

- ‌6 - انتشار المدارس ودور التعليم:

- ‌المبحث الثانيحياته الشخصية

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه:

- ‌المطلب الثاني: مولده وموطنه:

- ‌المطلب الثالث: أسرته:

- ‌المطلب الرابع: وفاته:

- ‌المبحث الثالثحياته العلمية

- ‌المطلب الأول: نشأته وطلبه للعلم:

- ‌المطلب الثاني: مكانته وثناء العلماء عليه:

- ‌المطلب الثالث: شيوخه:

- ‌المطلب الرابع: تلاميذه:

- ‌المطلب الخامس: مؤلفاته:

- ‌1 - "الأحاديث القدسية" جزء

- ‌2 - أحاديث منقولة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم متضمنة شفاء من أصبح على شفى

- ‌3 - إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة

- ‌4 - الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة

- ‌5 - الأرجوزة الجلية في الفرائض الحنبلية

- ‌6 - الإفادات المنظومة في العبادات المختومة

- ‌7 - تخريج الأحاديث الثمانيات

- ‌8 - ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌9 - التشوف

- ‌10 - الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية

- ‌11 - خصائص سيد العالمين وماله من المناقب العجائب على جميع الأنبياء عليهم السلام

- ‌12 - ذكر الجراد ومافي شأنه من الصلاح والفساد

- ‌13 - رفع الباس في حياة الخضر وإلياس

- ‌14 - الروضة المورقة في الترجمة المونقة

- ‌15 - شرح اللؤلؤة في النحو

- ‌16 - شفاء الآلام في طب أهل الإسلام

- ‌17 - شفاء القلوب في دواء الذنوب

- ‌18 - صحاح الأحكام وسلاح الحكام

- ‌19 - عجائب الاتفاق وغرائب ماوقع في الآفاق

- ‌20 - عقود اللآلي في الأمالي

- ‌21 - عمدة الدين في فضل الخلفاء الراشدين

- ‌22 - غيث السحابة في فضائل الصحابة

- ‌23 - "الفوائد السرمرية من المشيخة البدرية"، أو "مشيخة ابن الجوخي

- ‌24 - فوائد مخرجه عن شيوخ العدل الأمين الثقة بقية السلف جمال الخلف شمس الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالعزيز بن علي ابن المؤذن الوراق البغدادي

- ‌25 - كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون

- ‌26 - الكلم الطيب والعمل الصالح

- ‌27 - مسلسلات السرمري

- ‌28 - مشيخة ابن السلار

- ‌29 - مشيخة ابن الكسار

- ‌30 - مشيخة محيي الدين أبي نصر محمد بن شرف الدين أحمد العباسي

- ‌31 - المعسول في علوم حديث الرسول

- ‌32 - المقدمة اللؤلؤة في النحو

- ‌33 - المولد الكبير للبشير النذير صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - نتيجة الفكر في الجهر بالذكر

- ‌35 - نشر القلب الميْت بفضل أهل البيت

- ‌36 - نظم (الغريب أو التقريب) في علوم الحديث

- ‌37 - "نظم مختصر ابن رزين" في الفقه

- ‌38 - نهج الرشاد في نظم الاعتقاد

- ‌الفصل الثانيمنهج جمال الدين السرمري في التلقي والاستدلال

- ‌المبحث الأولمصادر جمال الدين السرمري في التلقي

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌تمهيد: تعريف السنة:

- ‌السنة النبوية مصدر تلقي عند جمال الدين السرمري:

- ‌المطلب الثالث: أقوال السلف في فهم الكتاب والسنة:

- ‌تمهيد:

- ‌اعتصام جمال الدين السرمري بفهم السلف:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في الاستدلال

- ‌المطلب الأول: منهجه في الاستدلال بالقرآن الكريم:

- ‌المسألة الأولى: الإكثار من الاستدلال بنصوص القرآن:

- ‌المسألة الثانية: تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌المسألة الثالثة: تفسير القرآن بالسنة:

- ‌المسألة الرابعة: تفسير القرآن بأقوال السلف:

- ‌المسألة الخامسة: عنايته بأسباب النزول:

- ‌المسألة السادسة: عنايته بالقراءات الواردة في الآية:

- ‌المسألة السابعة: اجتهاده في تفسير القرآن على طريقة أهل العلم:

- ‌المطلب الثاني: منهجه في الاستدلال بالسنة النبوية:

- ‌المسألة الأولى: الإكثار من الاستدلال بنصوص السنة:

- ‌المسألة الثانية: ظهور الصناعة الحديثية على مؤلفاته:

- ‌المسألة الثالثة: شرح مفردات الحديث والكلام عليها:

- ‌المسألة الرابعة: الجمع بين النصوص النبوية التي يوهم ظاهرها التعارض:

- ‌المسألة الخامسة: تفسير السنة بالقرآن:

- ‌المسألة السادسة: تفسير الحديث بالحديث:

- ‌المسألة السابعة: تفسير السنة بأقوال السلف:

- ‌المسألة الثامنة: إيراد الروايات والألفاظ الموضحة للحديث:

- ‌المسألة التاسعة: تقديم الحديث على القياس:

- ‌المطلب الثالث: موقفه من علم الكلام:

- ‌تمهيد: تعريف علم الكلام:

- ‌سبب تسميته:

- ‌ذم جمال الدين السرمري لعلم الكلام:

- ‌الفصل الثالثمنهج جمال الدين السرمري في تقرير التوحيد

- ‌تمهيدفي تعريف التوحيد وأقسامه

- ‌1 - تعريف التوحيد:

- ‌2 - أقسام التوحيد:

- ‌المبحث الأولمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الربوبية

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الربوبية:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الربوبية:

- ‌1 - أدلة توحيد الربوبية:

- ‌2 - أثر توحيد الربوبية وثمراته:

- ‌3 - مسألة تسلسل الحوادث:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الألوهية وخصائصه:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الألوهية:

- ‌1 - إثبات توحيد العبادة:

- ‌2 - مسائل تنافي توحيد الألوهية:

- ‌أ- الطيرة:

- ‌ب- التبرك الممنوع:

- ‌ج- التوسل الممنوع:

- ‌د- شد الرحال إلى القبور:

- ‌المبحث الثالثمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الأسماء والصفات

- ‌ تمهيد:

- ‌المطلب الأول: معنى توحيد الأسماء والصفات:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الأسماء والصفات:

- ‌1 - إثبات الصفات مع نفي العلم بالكيفية:

- ‌2 - تعطيل الصفات أو بعضها تكذيب للوحي:

- ‌3 - تنزيه صفات الله جل جلاله عن مماثلة صفات المخلوقين:

- ‌4 - أزلية الصفات:

- ‌5 - التفسير السلفي لنصوص الصفات:

- ‌6 - تعداد بعض الأسماء والصفات:

- ‌المسألة الأولى: تعداد بعض الأسماء:

- ‌المسألة الثانية: تعداد بعض الصفات:

- ‌الفصل الرابعمنهج جمال الدين السرمري في سائر أصول الإيمان

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالملائكة والإيمان بالرسل

- ‌المطلب الأول: الإيمان بالملائكة:

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالرسل:

- ‌المبحث الثاني: الإيمان باليوم الآخر

- ‌المطلب الأول: حياة البرزخ:

- ‌المطلب الثاني: النفخ في الصور، والبعث من القبور:

- ‌المطلب الثالث: الحشر:

- ‌المطلب الرابع (*): الميزان:

- ‌المطلب الخامس (*): الحوض:

- ‌المطلب السادس: الصراط:

- ‌المطلب السابع: الجنة والنار:

- ‌المطلب الثامن: الشفاعة:

- ‌المطلب الثامن: رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة:

- ‌المبحث الثالث: الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: معنى الإيمان بالقضاء والقدر:

- ‌المطلب الثاني: مراتب القدر:

- ‌المطلب الثالث: أصلا الضلال في القدر:

- ‌1) التسوية بين المشيئة والإرادة وبين الرضا والمحبة:

- ‌2) التسوية بين الفعل والمفعول:

- ‌المطلب الرابع: الأحكام الشرعية والأحكام القدرية:

- ‌المطلب الخامس: السبب والمسبب:

- ‌المطلب السادس: آجال الخلائق:

- ‌المطلب السابع: الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي:

- ‌الفصل الخامسمنهج جمال الدين السرمري في مسائل الإيمان

- ‌المبحث الأولمسمى الإيمان ومفهومه

- ‌المبحث الثانيزيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الثالثالاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث الرابعالكبيرة وحكم مرتكبها

- ‌الفصل السادسمنهج جمال الدين السرمري في الصحابة والإمامة

- ‌المبحث الأولمنهج جمال الدين السرمري في الصحابة رضي الله عنهم

- ‌تمهيد: تعريف الصحابي:

- ‌المطلب الأول: حق الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثاني: الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثالث: ترتيب الخلفاء في الفضل:

- ‌المطلب الرابع: موقف أهل البدع من الصحابة:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في الإمامة

- ‌تعريف الإمامة:

- ‌المطلب الأول: طاعة الأئمة، وحكم الخروج على الإمام الجائر:

- ‌المطلب الثاني: موقف المخالفين لأهل السنة في مسألة الإمامة:

- ‌الفصل السابعموقف جمال الدين السرمري من أهل الأهواء والبدع

- ‌المبحث الأول: لزوم الجماعة وذم الفرقة

- ‌مفهوم الجماعة:

- ‌المبحث الثاني: موقف جمال الدين السرمري من أهل البدع

- ‌تمهيد

- ‌الموقف من أهل البدع:

- ‌أولاً: حراسة الدين، وإبطال البدع:

- ‌ثانياً: الهجر:

الفصل: ‌د- شد الرحال إلى القبور:

‌د- شد الرحال إلى القبور:

- تمهيد:

زيارة القبور مشروعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنها أولاً من باب سد الذرائع، لأن الأمم السابقة فتنت بقبور أنبيائها وصالحيها حتى أوقعهم الشيطان كرات ومرات في هوة الشرك واتخاذهم أنداداً مع الله.

فمن أجل صيانة لجانب التوحيد، وقطعاً للتعلق بالأموات، وسداً لذريعة الشرك نهى رسول الله أولاً عن زيارة القبور، ولما رسخت عقيدة التوحيد في قلوب أصحابه الكرام وأمن عليهم الفتنة رخص لهم في زيارتها، وبين لهم الغاية من زيارتها وهي أنها تذكر الآخرة، هذه واحدة، والأخرى ليستفيد الأموات من دعاء إخوتهم الأحياء.

وإذا كان الأمر كذلك، والهدف الأول وهو تذكر الآخرة أمر يتحقق بزيارة القبور القريبة والمجاورة، اكتفى الشارع الحكيم بالحد الأدنى الذي يحقق الغرض الشرعي مع تحفظات كثيرة

تسد ذرائع الفتنة والشرك: منها أن لا تتخذ مساجد، ومنها أن لا يبنى عليها، ولا تجصص، ولا يصلى عليها، ولا إليها، وغير ذلك.

ولم يشرع أبداً السفر إليها، لا بقوله ولا بفعله ، وآية ذلك: أن هذا الأمر لم ينزل فيه قرآن، ولم يثبت فيه حديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله، فلو كان مشروعاً لتحقق فيه كل ذلك، ولسنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك برحلات ورحلات إلى الأنبياء والصالحين، ولملئت الدواوين برحلات الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، ونحن نجد دواوين الإسلام من صحاح وسنن ومسانيد وكتب فقه السلف الصالح قد سجلت كل حقوق الأموات: من عيادتهم وهم مرضى، إلى غسلهم، وتشييعهم، ودفنهم، وزيارتهم، والدعاء لهم، والنهي عن الجلوس على قبورهم.

كل هذا قد طفحت به دواوين الإسلام، خالية خلواً كاملاً من حديث نبوي صحيح أو حسن، ومن أقوال الصحابة والقرون المفضلة، ومن أقوال أئمة الهدى من الحث على شد

ص: 162

الرحال إلى القبور (1).

- قول جمال الدين السرمري في المسألة:

لما تطرقت البدع إلى أوساط المسلمين، وبدأوا يعتقدون في المشاهد والقبور والأضرحة والمزارات مالم ينزل الله به سلطاناً، من شد الرحال إليها والاستغاثة بأهلها، صارت هذه القضية مفروغاً من الكلام فيها عند العلماء، فضلاً عن العامة من الناس، واعتُبرت من القضايا الحساسة التي تستغل لإثارة غضب الجماهير ضد من يتكلم فيها.

ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أشرب قلبه بالإيمان الخالص، والعقيدة الصحيحة، لما سُئل عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة حينما كان في القاهرة، فردّ عليه رداً مستنبطاً من الكتاب والسنة، ونهى عنه استدلالاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى» (2).

فاستغل هذه الفتيا سنة 726 القاضي المالكي الإخنائي (ت 750) بعد صدورها ببضع عشرة سنة، وزاد فيها ونقص، ورماه بالتنقيص بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم، وحرض السلطان عليه تقرّباً إليه، وكسباً لعواطف الجماهير من الناس أيضاً، وألف رسالة أسماها "المقالة المرضية في الرد على من ينكر الزيارة المحمدية"، فرد شيخ الإسلام على الإخنائي وغيره ممن رد عليه في هذه المسألة (مثل الزملكاني، والسبكي، وابن الحاج، وغيرهم) في عديد من كتبه، ومنها:"الرد على الإخنائي واستحباب زيارة خير البرية الزيارة الشرعية"، "المنسك القديم والجديد"، "الجواب الباهر في زوار المقابر"(3)، فأوضح الحق في المسألة، ودحض الشبه التي كانت تشنع عليه، إلا أن السبكي عفا الله عنه أعاد التشغيب على ابن تيمية بعد موته في التعريض بهذه المسألة، فقال:

(1) انظر: كشف زيف التصوف وبيان حقيقته وحال حملته 206 - 207، لربيع بن هادي المدخلي، الطبعة الأولى 1427، مجالس الهدى، الجزائر.

(2)

رواه البخاري (2/ 60) ح 1189، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة؛ ورواه مسلم (2/ 1014) ح 1397، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، بمثله.

(3)

انظر: التعليق على "الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية" ص 80 - 81، لصلاح الدين مقبول أحمد.

ص: 163

"لو كان حيّاً يرى قولي ويسمعه

رددت ما قال ردّاً غير مشتبه

كما رددت عليه في الطلاق وفي

ترك الزيارة أقفو إثر سبسبه (1) " (2).

فتصدى للتشغيب على شيخ الإسلام بذلك، والرد عليه جمال الدين السرمري رحمه الله، فقال:

"وفي الزيارة لم تُنْصف رددتَّ على

ما لم يقلهُ ولم تَمرر بِسَبْسَبِه (3)

ردّاً ملخصه أشياء أذكرها

إما حديث ضعيف عند مطلبه

إما صحيح ولكن لا دليل به

على مُرادك بل هدم لمنصبه

إما بمجمل لفظٍ قولُ خصمكَ من

أقوى المقال به قسراً وأصوبه

إما بلا علم لي والجهل غايته

أيعذر الشخص فيما لا أحاط به

فأيُّ رد لعمري قد رَدَدْتَّ وما

ذا قلتَ إذ قلتَ أقفو إثر سبسبه

إن كان عندك في شد الرحال إلى الـ

ـقبور نقل فعارضه بموكبه

ليعرف الحق من كان أخا نظر

خالٍ من العلم ناءٍ عن تعصبه

أنَّى وذلك كالعنقاء (4) في عدم

وكالسَّمندل (5) يحكى مع تغيبه

ما أنت إلا كما قد قيل في مثل

خالف لتعرف مشهور لِضُرَّبِهِ

فشيخنا بصريح الحق حجته

ونقد نقلك زيف في تقلبه

فمن أحق بحق القول إن ظهر الـ

إنصاف مرتفعاً من فوق مرقبه" (6).

(1) السبسب: المفازة أو الأرض المستوية البعيدة. القاموس المحيط ص 123، ويقصد بـ"أقفو إثر سبسبه": أتتبع غرائبه وشوارده.

(2)

ذكرها التاج السبكي في ترجمة أبيه التقي السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى"(10/ 176).

(3)

يشير إلى قول السبكي المتقدم آنفاً.

(4)

العنقاء: طائر عظيم معروف الاسم مجهول الجسم. الصحاح في اللغة (4/ 220).

(5)

السمندل: قيل: "طائر إذا انقطع نسله وهرم ألقى نفسه في الجمر فيعود إلى شبابه"، وقيل:"هو دابة يدخل النار فلا تحرقه". انظر: لسان العرب (11/ 348).

(6)

الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية، ص 80 - 83.

ص: 164

ويبين كلام السرمري ويؤيده قول العلامة ابن عبدالهادي في كتابه (الصارم المنكي في الرد على السبكي) من إهمال السبكي النظر في الحديث صحة وضعفاً، وإلزام شيخ الإسلام بما لا يلزم، فقال:"فإني وقفت على الكتاب الذي ألفه بعض قضاة الشافعية في الرد على شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد ابن تيمية في مسألة شد الرحال وإعمال المطيّ إلى القبور، وذكر أنه كان قد سمّاه (شن الغارة على من أنكر سفر الزيارة) ثم زعم أنه اختار أن يسميه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) فوجدت كتابه مشتملاً على تصحيح الأحاديث المضعفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة والآثار القوية المقبولة، وتحريفها عن مواضعها، وصرفها عن ظواهرها بالتأويلات المستنكرة المردودة، ورأيت مؤلف هذا الكتاب المذكور رجلاً ممارياً معجباً برأيه متبعاً لهواه"(1).

وما قرره جمال الدين السرمري هو قول الأئمة في هذه المسألة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين فهذا لم يكن

موجوداً في الإسلام في زمن مالك، وإنما حدث هذا بعد القرون الثلاثة، قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم، فأما القرون التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن هذا ظاهراً فيها، ولكن بعدها ظهر الإفك والشرك

" (2).

وقال في موضع آخر: "وأما إذا كان قصده بالسفر زيارة قبر النبي دون الصلاة في مسجده فهذه المسألة فيها خلاف، فالذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أن هذا غير مشروع، ولا مأمور به، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» "(3).

وقال الشيخ سليمان بن عبدالوهاب تعليقاً على حديث: «لا تتخذوا قبري عيداً، ولا

(1) الصارم المنكي في الرد على السبكي، ص 13.

(2)

الجواب الباهر في زوار المقابر ص 50، لابن تيمية، تحقيق: سليمان الصنيع وعبدالرحمن المعلمي، 1404، الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والافتاء، الرياض.

(3)

مجموع الفتاوى (27/ 26 - 27).

ص: 165

بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»:"وفي الحديث دليل على منع شد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم، وإلى غيره من القبور والمشاهد، لأن ذلك من اتخاذها أعياداً، بل من أعظم أسباب الإشراك بأصحابها، كما وقع من عباد القبور الذين يشدون إليها الرحال، وينفقون في ذلك الكثير من الأموال، وليس لهم مقصود إلا مجرد الزيارة للقبور تبركاً بتلك القباب والجدران فوقعوا في الشرك"(1).

هـ- أما المسائل التي اكتفى فيها جمال الدين السرمري رحمه الله بذكر الأدلة في النهي عنها، فهي: السحر، الحلف بغير الله، تجصيص القبور، والبناء عليها، واتخاذها مساجد، ونحو ذلك من المسائل.

وبالجملة لم أقف على كلام كثير للإمام جمال الدين السرمري رحمه الله في تقرير مسائل

هذا النوع من أنواع التوحيد، حتى إنه أهمل ذكره في منظومته البديعة (نهج الرشاد في نظم الاعتقاد)، مع أنه ذكر فيها جل مباحث الاعتقاد، وقد يكون توسع في تقرير مسائل توحيد الألوهية في كتبه الأخرى التي لم أقف عليها، ككتابه (صحاح الأحكام وسلاح الحكام) فإنه "جمعه في قوله عليه الصلاة والسلام: «بني الإسلام على خمس

الخ» " (2)، والله أعلم.

(1) تيسير العزيز الحميد، ص 312.

(2)

كشف الظنون (2/ 1070).

ص: 166