الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده عن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك؛ وهذا الإسناد على شرط الصحيحين" (1).
وساق في آخر كتابه (الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة) حديثاً مسنداً فقال: "فأرودته بإسنادٍ لئلا يخلوَ كتابي من حديث مسند؛ وهو ما أخبرني الشيخ أبو طالب محمد بن محمد بن محمود العدل بقراءتي عليه برباط الأرجوانية من درب زاخي شرقيِّ بغداد في يوم الجمعة سادسَ عشرَ شعبانَ من سنةِ ثلاثين وسبعمائة قال: أنبأنا أبو أحمد عبدالصمد بن أحمد بن عبدالقادر بن أبي الجيش المقرئ قال: أخبرنا أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي إذناً، حدثنا أبو جعفر زيد بن جامع الشامي الحموي من لفظهِ في شعبان من سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو طالب عبدالقادر بن محمد اليوسفي قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن لؤلؤ الوراق قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن أيوب السَّقَطي، وحدثنا أبو الوليد بشر بن الوليد القاضي، حدثنا الفرج بن فضالة، وحدثنا هلال أبو جبلة، عن سعيد بن المسيب عن عبدالرحمن بن سمرة قال: خرج علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ ونحن في مسجد المدينة فقال: «إني رأيتُ الليلةَ عجباً»
…
" (2).
وقال في موضع آخر عند الكلام على ما يطول الأعمار: "وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «إن البر والصلة ليطولان الأعمار ويعمران الديار، ويثريان الأموال، وإن كان القوم فُجاراً، وإن البر والصلة ليخفقان السوء سوء الحساب يوم القيامة» رواه الحافظ ابن الجوزي في كتاب البر والصلة تأليفه وأدْرَجَ عليهما"(3).
المسألة الثالثة: شرح مفردات الحديث والكلام عليها:
فقد كان جمال الدين السرمري رحمه الله يعلق على المفردات المشكلة في الحديث، ويوضح
(1) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 110 - 111.
(2)
الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 151 - 152.
(3)
كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون، ص 112 - 113.
المراد منها، وهذا دليل على سعة علمه ودرايته بالحديث.
ومثال ذلك قوله عند الكلام على أحاديث المنيحة: "أما حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما الذي أسَّسنا عليه الكتاب، فقوله:«منيحة» ، المنيحة: هي الناقة أو البقرة أو الشاةُ يُعطيها الرجلُ الرجلَ يحتلبُها ويشربُ لبنَها ويُعيدها إليه، والمنيحة في اللغة: العطية، يُقال: مَنَحَهُ كذا إذا أعطاه؛ وأما حديث أبي سعيد فقوله: «ويحك إن الهجرةَ شأنُها شديد» يعني أن الالتزام لأحكامها مُشِقٌّ: من ترك الأهل، والولد، والوطن، والتغرُّب، والفقر، والخوف، لاسيَّما وهو صاحب ماشيةٍ، والافتتان بها أسرع، فخشيَ عليه أن لا يصبرَ على اللأواء، فيرفضَ الهجرةَ ويرتدَّ، فدلَّه على الأسهل ليقوى إيمانُه، وربما آمنَ بإيمانهِ إذا رجعَ إلى أهله غيرُه، والذي دلَّه عليه فيه أجرٌ عظيم: التصدُّقُ، والإمناح، وسقيُ اللبنِ على المورد؛ وقوله:«فاعمل من وراءِ البحار» أي إذا كانَ هذا عملَكَ فدُمْ عليه، ولو أنكَ غائبٌ عني، بعيدٌ مني، ولو خلفَ البحار، لأن اللهَ تعالى «لن يَتِرَكَ» أي يَظْلِمُكَ ويُنْقِصُكَ مما عملتَ له شيئاً، ولكنَّهُ يؤتيكَ أجرَهُ موفوراً والله أعلم؛ وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه «اللِّقحةُ»: الناقة التي تُحلب، والجمع لقاح؛ و «الصفيُّ»: الناقة الكثيرةُ اللبن؛ و «النحلة» الكثيرة الحمل، وقوله:«تغدو بإناء وتروح بآخر» يعني أنها تُحلبُ غُدْوَةً وعشيَّة، فنعم المنحةُ ما كان على هذه الصفة
و«نعم» للمدح، يقال: نعمَ الرجلُ زيدٌ؛ وأما حديث كُدير فقوله: «تقولُ العدل» أي الحقَّ والصدق ولا تقلْ غيرَ ذلك، وقوله: ما أستطيعُ أن أقولَ الحقّ كل ساعة؛ وذلك لأن الحقَّ ثقيل، ومنه الأمانة التي عجزت السمواتُ والأرضُ عن حملها وأشفقنَ منها، وسُمِّي الإنسانُ بتحمُّلِها {ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: من الآية 72] لأنه أقدمَ على ما أحجم عن حَمْلهِ السمواتُ والأرض والجبال وقال الله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: من الآية 152]؛ وقوله «وتعطي الفضل» أي تتفضَّلُ بالإعطاءِ من مالِكَ، ويجوز أن
يكون: تعطي الفضلَ من مالِكَ عن قدرِ كفايتِكَ وكفايةِ من تعول لأنه قد جاء في الحديث أن النَّبي صلى الله عليه وسلم حضَّ الناسَ على التصدق بفضل الزاد والظهر وأصناف من المال في بعض سفراته،
قال الرواي: حتى رأينا أن لا حق لأحد منّا في فضل أو كما جاء، وقد روي «طوبى لمن أعطى الفضل من ماله، وأمسك الفضلَ من لسانه» وهذا على سبيل الندب والاستحباب ألا تراه عدل عنه إلى ما هو أسهل منه، وهو قوله:«فتطعم الطعام، وتُفشي السلام»
…
" (1).
وقال في موضع آخر عند الكلام على شرح صدر النبي صلى الله عليه وسلم: " كما ذكره مسلم في حديثه وبيّن فيه أنه «أخرَج منه علقة فألقاها وقال: هذا حظ الشيطان منك» والعلقة: قطعةُ دم تكون في تجويف القلب وتسمّى السُويداء والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ومن القلب تَجري الحياةُ في البدن وهي التي يقول لها الأطباء الروح والقوة والشهوة والحياة تنبعث من القلب ولهذا كان القلب ملك البدن وكان إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله والقلب ما دامت فيه تلك العَلقَة يدخل الشيطان فيه فهي بَيْتُه منها يتصرف بالوسوسة فأُخرِجت من النبي صلى الله عليه وسلم وغُسل مكانها فلم يبق للشيطان عليه سبيل أصلاً ولا بقي له بيت يدخل فيه ولا مسكن وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه، قالوا: وأنتَ يا رسول الله، قال: وأنا لكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» وليس المراد أسلم أنا بل أسلم هو من الاستسلام لا من إيمان لأنه قال: «فلا يأمرني إلا بخير» لأنه انقاد وانطاعَ فبقي لا يأمره إلا بما يناسبُ حاله من الخير صلى الله عليه وسلم "(2).
وقال في موضع آخر عند الكلام على التواضع والمسكنة لله تعالى وترك التكبُّر والتجبُّر: "عن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيفٍ متضعِّف، لو أقسمَ على الله لأبرَّهُ، ألا أخبركم بأهلِ النار، كل عُتُلِّ جوَّاظٍ مستكبر»
…
وقوله في الحديث «عُتُلِّ» العتلُّ: الشديد الخصومة الجافي، اللئيمُ الضريبة، وقال
ابن عرفة: هو الفظُّ الغليظُ الذي لا ينقادُ لخير؛ وقوله: «جوَّاظ» الجواظ: هو الكثيرُ اللحم، المختالُ في مشيته" (3).
(1) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 22 - 24.
(2)
خصائص سيد العالمين [ق 79/ظ]-[ق 80/و].
(3)
الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 140، 137 - 141.