المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ج- التوسل الممنوع: - منهج الإمام جمال الدين السرمري في تقرير العقيدة

[خالد المطلق]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌ الهدف من الدراسة:

- ‌خطة البحث: تشمل على مقدمة، وقسمين، وخاتمة

- ‌منهجي في البحث:

- ‌الفصل الأولعصر جمال الدين السرمري وحياته

- ‌المبحث الأولعصر جمال الدين السرمري

- ‌المطلب الأول: الحالة السياسية:

- ‌1 - سقوط مدينة بغداد عاصمة الخلافة العباسيّة:

- ‌2 - حملة التتار على الشام ومصر:

- ‌3 - الحروب الصليبية:

- ‌4 - النزاعات الداخلية:

- ‌المطلب الثاني: الحالة الإجتماعية:

- ‌المطلب الثالث: الحالة الثقافية والعلمية:

- ‌1 - وقوع كثير من البلاد الإسلامية في يد المغول:

- ‌2 - قتل العلماء وإتلاف الكتب العلمية:

- ‌3 - وفود العلماء والأدباء:

- ‌4 - غيرة السلاطين والأمراء:

- ‌5 - تعظيم المماليك لأهل العلم:

- ‌6 - انتشار المدارس ودور التعليم:

- ‌المبحث الثانيحياته الشخصية

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه:

- ‌المطلب الثاني: مولده وموطنه:

- ‌المطلب الثالث: أسرته:

- ‌المطلب الرابع: وفاته:

- ‌المبحث الثالثحياته العلمية

- ‌المطلب الأول: نشأته وطلبه للعلم:

- ‌المطلب الثاني: مكانته وثناء العلماء عليه:

- ‌المطلب الثالث: شيوخه:

- ‌المطلب الرابع: تلاميذه:

- ‌المطلب الخامس: مؤلفاته:

- ‌1 - "الأحاديث القدسية" جزء

- ‌2 - أحاديث منقولة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم متضمنة شفاء من أصبح على شفى

- ‌3 - إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة

- ‌4 - الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة

- ‌5 - الأرجوزة الجلية في الفرائض الحنبلية

- ‌6 - الإفادات المنظومة في العبادات المختومة

- ‌7 - تخريج الأحاديث الثمانيات

- ‌8 - ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌9 - التشوف

- ‌10 - الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية

- ‌11 - خصائص سيد العالمين وماله من المناقب العجائب على جميع الأنبياء عليهم السلام

- ‌12 - ذكر الجراد ومافي شأنه من الصلاح والفساد

- ‌13 - رفع الباس في حياة الخضر وإلياس

- ‌14 - الروضة المورقة في الترجمة المونقة

- ‌15 - شرح اللؤلؤة في النحو

- ‌16 - شفاء الآلام في طب أهل الإسلام

- ‌17 - شفاء القلوب في دواء الذنوب

- ‌18 - صحاح الأحكام وسلاح الحكام

- ‌19 - عجائب الاتفاق وغرائب ماوقع في الآفاق

- ‌20 - عقود اللآلي في الأمالي

- ‌21 - عمدة الدين في فضل الخلفاء الراشدين

- ‌22 - غيث السحابة في فضائل الصحابة

- ‌23 - "الفوائد السرمرية من المشيخة البدرية"، أو "مشيخة ابن الجوخي

- ‌24 - فوائد مخرجه عن شيوخ العدل الأمين الثقة بقية السلف جمال الخلف شمس الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالعزيز بن علي ابن المؤذن الوراق البغدادي

- ‌25 - كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون

- ‌26 - الكلم الطيب والعمل الصالح

- ‌27 - مسلسلات السرمري

- ‌28 - مشيخة ابن السلار

- ‌29 - مشيخة ابن الكسار

- ‌30 - مشيخة محيي الدين أبي نصر محمد بن شرف الدين أحمد العباسي

- ‌31 - المعسول في علوم حديث الرسول

- ‌32 - المقدمة اللؤلؤة في النحو

- ‌33 - المولد الكبير للبشير النذير صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - نتيجة الفكر في الجهر بالذكر

- ‌35 - نشر القلب الميْت بفضل أهل البيت

- ‌36 - نظم (الغريب أو التقريب) في علوم الحديث

- ‌37 - "نظم مختصر ابن رزين" في الفقه

- ‌38 - نهج الرشاد في نظم الاعتقاد

- ‌الفصل الثانيمنهج جمال الدين السرمري في التلقي والاستدلال

- ‌المبحث الأولمصادر جمال الدين السرمري في التلقي

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌تمهيد: تعريف السنة:

- ‌السنة النبوية مصدر تلقي عند جمال الدين السرمري:

- ‌المطلب الثالث: أقوال السلف في فهم الكتاب والسنة:

- ‌تمهيد:

- ‌اعتصام جمال الدين السرمري بفهم السلف:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في الاستدلال

- ‌المطلب الأول: منهجه في الاستدلال بالقرآن الكريم:

- ‌المسألة الأولى: الإكثار من الاستدلال بنصوص القرآن:

- ‌المسألة الثانية: تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌المسألة الثالثة: تفسير القرآن بالسنة:

- ‌المسألة الرابعة: تفسير القرآن بأقوال السلف:

- ‌المسألة الخامسة: عنايته بأسباب النزول:

- ‌المسألة السادسة: عنايته بالقراءات الواردة في الآية:

- ‌المسألة السابعة: اجتهاده في تفسير القرآن على طريقة أهل العلم:

- ‌المطلب الثاني: منهجه في الاستدلال بالسنة النبوية:

- ‌المسألة الأولى: الإكثار من الاستدلال بنصوص السنة:

- ‌المسألة الثانية: ظهور الصناعة الحديثية على مؤلفاته:

- ‌المسألة الثالثة: شرح مفردات الحديث والكلام عليها:

- ‌المسألة الرابعة: الجمع بين النصوص النبوية التي يوهم ظاهرها التعارض:

- ‌المسألة الخامسة: تفسير السنة بالقرآن:

- ‌المسألة السادسة: تفسير الحديث بالحديث:

- ‌المسألة السابعة: تفسير السنة بأقوال السلف:

- ‌المسألة الثامنة: إيراد الروايات والألفاظ الموضحة للحديث:

- ‌المسألة التاسعة: تقديم الحديث على القياس:

- ‌المطلب الثالث: موقفه من علم الكلام:

- ‌تمهيد: تعريف علم الكلام:

- ‌سبب تسميته:

- ‌ذم جمال الدين السرمري لعلم الكلام:

- ‌الفصل الثالثمنهج جمال الدين السرمري في تقرير التوحيد

- ‌تمهيدفي تعريف التوحيد وأقسامه

- ‌1 - تعريف التوحيد:

- ‌2 - أقسام التوحيد:

- ‌المبحث الأولمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الربوبية

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الربوبية:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الربوبية:

- ‌1 - أدلة توحيد الربوبية:

- ‌2 - أثر توحيد الربوبية وثمراته:

- ‌3 - مسألة تسلسل الحوادث:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الألوهية وخصائصه:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الألوهية:

- ‌1 - إثبات توحيد العبادة:

- ‌2 - مسائل تنافي توحيد الألوهية:

- ‌أ- الطيرة:

- ‌ب- التبرك الممنوع:

- ‌ج- التوسل الممنوع:

- ‌د- شد الرحال إلى القبور:

- ‌المبحث الثالثمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الأسماء والصفات

- ‌ تمهيد:

- ‌المطلب الأول: معنى توحيد الأسماء والصفات:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الأسماء والصفات:

- ‌1 - إثبات الصفات مع نفي العلم بالكيفية:

- ‌2 - تعطيل الصفات أو بعضها تكذيب للوحي:

- ‌3 - تنزيه صفات الله جل جلاله عن مماثلة صفات المخلوقين:

- ‌4 - أزلية الصفات:

- ‌5 - التفسير السلفي لنصوص الصفات:

- ‌6 - تعداد بعض الأسماء والصفات:

- ‌المسألة الأولى: تعداد بعض الأسماء:

- ‌المسألة الثانية: تعداد بعض الصفات:

- ‌الفصل الرابعمنهج جمال الدين السرمري في سائر أصول الإيمان

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالملائكة والإيمان بالرسل

- ‌المطلب الأول: الإيمان بالملائكة:

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالرسل:

- ‌المبحث الثاني: الإيمان باليوم الآخر

- ‌المطلب الأول: حياة البرزخ:

- ‌المطلب الثاني: النفخ في الصور، والبعث من القبور:

- ‌المطلب الثالث: الحشر:

- ‌المطلب الرابع (*): الميزان:

- ‌المطلب الخامس (*): الحوض:

- ‌المطلب السادس: الصراط:

- ‌المطلب السابع: الجنة والنار:

- ‌المطلب الثامن: الشفاعة:

- ‌المطلب الثامن: رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة:

- ‌المبحث الثالث: الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: معنى الإيمان بالقضاء والقدر:

- ‌المطلب الثاني: مراتب القدر:

- ‌المطلب الثالث: أصلا الضلال في القدر:

- ‌1) التسوية بين المشيئة والإرادة وبين الرضا والمحبة:

- ‌2) التسوية بين الفعل والمفعول:

- ‌المطلب الرابع: الأحكام الشرعية والأحكام القدرية:

- ‌المطلب الخامس: السبب والمسبب:

- ‌المطلب السادس: آجال الخلائق:

- ‌المطلب السابع: الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي:

- ‌الفصل الخامسمنهج جمال الدين السرمري في مسائل الإيمان

- ‌المبحث الأولمسمى الإيمان ومفهومه

- ‌المبحث الثانيزيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الثالثالاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث الرابعالكبيرة وحكم مرتكبها

- ‌الفصل السادسمنهج جمال الدين السرمري في الصحابة والإمامة

- ‌المبحث الأولمنهج جمال الدين السرمري في الصحابة رضي الله عنهم

- ‌تمهيد: تعريف الصحابي:

- ‌المطلب الأول: حق الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثاني: الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثالث: ترتيب الخلفاء في الفضل:

- ‌المطلب الرابع: موقف أهل البدع من الصحابة:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في الإمامة

- ‌تعريف الإمامة:

- ‌المطلب الأول: طاعة الأئمة، وحكم الخروج على الإمام الجائر:

- ‌المطلب الثاني: موقف المخالفين لأهل السنة في مسألة الإمامة:

- ‌الفصل السابعموقف جمال الدين السرمري من أهل الأهواء والبدع

- ‌المبحث الأول: لزوم الجماعة وذم الفرقة

- ‌مفهوم الجماعة:

- ‌المبحث الثاني: موقف جمال الدين السرمري من أهل البدع

- ‌تمهيد

- ‌الموقف من أهل البدع:

- ‌أولاً: حراسة الدين، وإبطال البدع:

- ‌ثانياً: الهجر:

الفصل: ‌ج- التوسل الممنوع:

أحمد بن حنبل، ثم مسحت يدي على بدني وهو ينظر، فغضب غضباً شديداً وجعل ينفض يده، ويقول: عمن أخذتم هذا؟ وأنكره إنكاراً شديداً" (1).

‌ج- التوسل الممنوع:

- مفهوم التوسل:

قال ابن الأثير: "هي في الأصل: ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، وجمعها وسائل، يقال: وَسَلَ إليه وسيلة وتَوَسَّل"(2).

وقال ابن فارس: "الواو والسين واللام كلمتان متباينتان جداً.

الأولى: الرغبة والطلب، يقال: وسل، إذا رغب، والواسل: الراغب إلى الله عز وجل، وهو في قول لبيد:

بلى كل ذي دين إلى الله واسل

ومن ذلك القياس الوسيلة

" (3).

وقال الجوهري: "الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير، والجمع الوسيل والوسائل، والتوسيل والتوسل واحد، يقال: وسل فلان إلى ربه وسيلة، توسل بوسيلة: أي تقرب إليه بعمل

" (4).

أما التوسل الممنوع: هو التقرب إلى الله جل جلاله بوسيلة بدعية أو شركية.

- صورة التوسل الممنوع:

للتوسل الممنوع صور عديدة، لكن الصورة التي أشار لها جمال الدين السرمري رحمه الله

(1) الآداب الشرعية (2/ 225)، لابن مفلح، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعمر القيام، الطبعة الثالثة 1419، مؤسسة الرسالة، بيروت.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 402)، لابن الجزري.

(3)

معجم مقاييس اللغة (6/ 110)، لابن فارس.

(4)

الصحاح في اللغة (5/ 119)، للجوهري.

ص: 156

هي:

التوسل بغير الله من المخلوقين، وذلك بأن يدعوهم ويستغيث بهم ويطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولو بزعم أنهم واسطة فيما يطلبه من الله، وهذا الصورة من التوسل هي من الشرك الأكبر، لأنها دعاء لغير الله والتجاء إليه فيه المهمات، وهي من صرف العبادة لغير الله كما قال تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117]، وقال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5].

وفي هذا يقول جمال الدين السرمري في (منامات رؤيت لشيخ الإسلام ابن تيمية)، وهي رؤى فيها الثناء على منهج ابن تيمية في الاعتقاد، وأنه سالك طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى قدمه، وقد ذكرها السرمري في سياق فضائله، وفي ذلك إشارة لتأييد السرمري لما جاء فيها، فلو كان يعتقد السرمري مخالفة المعاني العقدية التي تضمنتها هذه الرؤى لما ذكرها في سياق شمائله، قال جمال الدين السرمري في الرؤيا الرابعة: "حدثني الشيخ الصالح شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي

بن محمد الأنصاري البعلبكي الخياط قال: رأيت في المنام في أول شوال من سنة نيف وخمسين وسبعمائة بدمشق، وقد كنت أنكرت على بعض الفقراء التوسل بغير الله من المخلوقين، وكان قال: إني كنت مريضاً فاستغثت بالشيخ فلان والشيخ فلان فلم يجبني منهم أحد، فاستغثت بالشيخ فلان والشيخ فلان وسماهم، قال: فرأيت الشيخ فلاناً وهو راكب فيلاً والشيخ الآخر وهو راكب فرساً، فقالا لي: قم، فقمت معافاً في الحال، قال: فقلت له: هذا خطأ منك، لو أنك استغثت بالله أصبت، فإن الشيخ فلاناً وغيره من المخلوقين لا يمكلون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فقال: أنت مالك اعتقاد في الفقراء؟ ! وجرى بيني وبينه في هذا الكلام، فرأيت تلك الليلة شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في النوم وهو يكلمني كلاماً خفياً، فقلت: يا سيدي الشيخ والله ما أفهم ما تقول، فقال: هل عندك لوح؟ فقلت: نعم، وأتيته به، فكتب لي في سطرين، فأخذته وجعلت أنظر فيه، فما عرفت اقرأ شيئاً منه إلا قوله: صَحِّحْ تَصِحُّ، وبقيت مفكراً فيه

ص: 157

(

) (1)، ومضى علي هذا مدة نحو من خمسة وثمانين يوماً، فجرى بيني وبين فقير آخر شيء من الكلام من جنس ما جرى بيني وبين ذلك الرجل، فنمت تلك الليلة فرأيت الشيخ تقي الدين وهو على صورة طائر أخضر عظيم المنظر أكبر من الطاووس، فقال لي: يا فلان أما حفظت الذي كتبت لك، فعرفت أنه الشيخ تقي الدين، فقلت: يا سيدي والله ما حفظت منه إلا قولك: صحح تصح، فقال لي: قل:

صحح تصح لك الأمور جميع

إياك عن طرق الهداة تضيع

وامحوا واثبت ما تحقق يا فتى

إن الإله على القلوب طليع

لا تصحبن الأرذلين فإنهم

يوم التغابن جيلهم مقطوع (2) " (3).

وما أشار إليه جمال الدين السرمري رحمه الله في هذه الرؤيا من منع التوسل بغير الله من المخلوقين هو منهج أهل السنة والجماعة في هذا المسألة كما سيأتي بيانه.

لكن الإشكال ورود في المقابل بعض الألفاظ الموهمة في كلام جمال الدين السرمري، والتي ظاهرها التوسل الممنوع بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله رضي الله عنهم والاستعانة بهم في حصول المنفعة ودفع المضرة، كقوله في النبي صلى الله عليه وسلم:

"يا خيرة الرسل ويا من له

في حضرة القدس المحل الرفيع

أنت المُرَجَّى لدفاع الأذى

وكل خطب للبرايا فظيع" (4).

وهذا غلو بالنبي صلى الله عليه وسلم، بزعم أن دفع الأذى يكون بالتوسل بذاته صلى الله عليه وسلم.

وقد يكون تأثر في ذلك بالشيخ يحيى الصرصري (5) رحمه الله، وبخاصة إذا رجحنا أن ثناء

(1) كلمة غير واضحة.

(2)

ذكرت هذه الأبيات أيضاً في آخر (جامع الرسائل لابن تيمية) المجموعة الأولى ص 290، تحقيق: محمد رشاد سالم، 1405، دار المدني، جدة.

(3)

منامات رؤيت لشيخ الإسلام ابن تيمية (مخطوط) ورقة: 2 ب. وقد ذكر ابن ناصر الدين الدمشقي أنه وجد بخط السرمري ستة منامات رؤيت لشيخ الإسلام ابن تيمية، انظر: الرد الوافر ص 233، تحقيق: زهير الشاويش.

(4)

المولد الكبير للبشير النذير صلى الله عليه وسلم (مخطوط) ورقة: 1 ب.

(5)

هو يحيى بن يوسف بن يحيى الصرصري، الفاضل المادح الحنبلي الضرير البغدادي، معظم شعره في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي سنة 656. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 32)، البداية والنهاية (13/ 244).

ص: 158

السرمري العاطر للشيخ حسان في مقدمة منظومته (نهج الرشاد في نظم الاعتقاد) أنه يقصد الصرصري (حسان السنة)(1)، وتخصيص السرمري للصرصري -على الراجح (2) - بالذكر مع عدم إدراكه له، وتصريحه بأنه متبع لمنهاجه في الاعتقاد وأنه مقتفي أثره، يشعر بشدة تأثر السرمري به، يقول جمال الدين السرمري:

"فلولا مكان الشيخ حسان أصبحت

مدينة سامراء في غاية الضر

ولولا خلال سدها لتعطلت

رسوم الهدى واستوسقت دولة الشر (3)

هو العالم المرضي والقثم الذي

يفتح أقفال المسائل بالسبر" (4).

إلى أن قال:

"كفاني أني أنتمي بعقيدتي

إليه وأني في طريقته أجري" (5).

(1) وقد وصفه بـ (حسان السنة) عدد من العلماء، كابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية" ص 200، الطبعة الأولى 1404، دار الكتب العلمية، بيروت؛ وابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة"(4/ 32)، وابن كثير في "البداية والنهاية"(6/ 331)، وصديق حسن خان في "التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول" ص 236، الطبعة الثانية 1428، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر؛ وقد يكون

(2)

وقد يكون قصد السرمري بـ"حسان" هو شيخه (أبا محمد حسان بن أحمد السرّمرّي) وقد ذكره في موضعين من كتابه: شفاء الآلام في طب أهل الإسلام (مخطوط) ورقة: 297 ب، 295 أ، ولم أقف له على ترجمه، والثناء الذي سيأتي ذكره في الأبيات يرجح أن يكون المقصود به "حسان السنة: الصرصري" كما سيأتي في التعليق على الأبيات.

(3)

كان الصرصري رحمه الله شديداً في السنة، مدافعاً عنها، منحرفاً على المخالفين لها، وهو القائل:

بالله يا أنصار دين محمد

نوحوا على الدين الحنيف وعددوا

لعبت بدينكم الروافض جهرة

وتألبوا في دحضه وتحشدوا.

وقد توفي رحمه الله شهيداً عند اجتياح التتار لبغداد، فقد دخل عليه التتار وكان ضريراً، فطعن بعكّازه بطن أحدهم فقتله، ثم قُتل، وهو القائل:

طوبى لمن قتلوه منّا إنّه

أبداً مع الشهداء حي يرزق. انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية ص 204، مقدمة تحقيق "الدرة اليتيمة والمحجة المستقيمة" للصرصري ص 25، جاسم الدوسري، الطبعة الأولى 1424، دار ابن حزم، بيروت.

(4)

نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 27 - 28.

(5)

نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 28.

ص: 159

وقد كان الصرصري رحمه الله، شديداً في السنة، منحرفاً عن المخالفين لها، وشعره مملوء بذكر أصول السنة ومدح أهلها، وذم مخالفيها (1)، غير أنه له أبيات في التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم أنكرها العلماء، ومن ذلك قوله في النبي صلى الله عليه وسلم:

"أنت جاري وعدّتي ونصيري وعمادي في شدتي ورخائي

فأعني على زمان فظيع الخط

ـب في أهله شديد العناء

وأسألِ اللهَ حين تُعرض أعما

لي عليك الغفران لي يا رجائي" (2).

وقوله:

"نصحت له نصحاً برئياً من القذى إذا شاب قومٌ نصحهم بالعبائث

فقلتُ له إن رُمتَ أمناً وعزة

فعُذ من عوادي النائبات الكوارث

بأفضل مبعوث إلى خير أمة

بخير كتاب جاء من خير باعث" (3).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا أنكرنا على الشيخ يحيى الصرصري ما يقوله في قصائده في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستغاثة به مثل قوله: بك أستغيث وأستعين وأستنجد"(4)، والله أعلم بالصواب.

ومن الألفاظ الموهمة التي وردت في كلام جمال الدين السرمري قوله في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:

"عليهم سلامي ما حييت وإن أمت

تحييهم عني عظامي من قبري

هم عدتي في شدتي وذخيرتي

لآخرتي مصباح ديني غنى فقري" (5).

وهذا أيضاً من الغلو في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فالعدة في الشدة، والذخيرة للآخرة ليست التوسل بذواتهم رضي الله عنهم، بل ظاهر هذا القول هو من قبيل قول المشركين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا

(1) وصفه بذلك ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة"(4/ 34).

(2)

ذيل مرآة الزمان (1/ 259)، لليونيني، الطبعة الأولى 1374، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر اباد.

(3)

ذيل مرآة الزمان (1/ 266 - 267).

(4)

مجموع الفتاوى (1/ 70).

(5)

نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 44.

ص: 160

لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزُّمَر: من الآية 3].

لكن لعل الإمام جمال الدين السرمري عفا الله عنه لم يرد هذا، وإنما قصد محبتهم التي هي من العمل الصالح، لا سيما أن هذه الألفاظ الموهمة جاءت في سياق نظم، والوزن أحياناً يعيق عن الإفصاح.

أما منهج أهل السنة والجماعة في هذه المسألة هو منع التوسل بغير الله من المخلوقين:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإن أراد بالواسطة: أنه لابد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل: أن يكون واسطة في رزق العباد، ونصرهم، وهداهم، يسألونه ذلك، ويرجون إليه فيه، فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء، يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار"(1).

وقال الإمام العز بن عبد السلام: "ومن أثبت الأنبياء وسواهم من مشايخ العلم والدين وسائط بين الله وبين خلقه كالحجّاب الذين بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى

الله تعالى حوائج خلقه، وأن الله تعالى إنما يهدي عباده ويرزقهم وينصرهم بتوسطهم، بمعنى أن الخلق يسألونهم، وهم يسألون الله كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملك حوائج الناس لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، ولأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك، لكونهم أقرب إلى الملك من الطلب، فمن أثبتهم وسائط على هذه الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبِّهون لله، شبهوا الخالق بالمخلوق، وجعلوا لله أنداداً

" (2).

(1) مجموع الفتاوى (1/ 123 - 124).

(2)

التوسل أنواعه وأحكامه ص 97، لمحمد ناصر الدين الألباني، تنسيق: محمد عيد عباسي، الطبعة الخامسة 1406، المكتب الإسلامي.

ص: 161