الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: القرآن الكريم:
اعتمد جمال الدين السرمري رحمه الله في تلقي العقيدة اعتماداً مباشراً على كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن تتبع مؤلفاته رحمه الله وجدها تزخر بالنصوص القرآنية، فهو يعتبر القرآن أول المصادر التي تُتلقى منها مسائل العقيدة.
يقول رحمه الله في معرض كلامه عن الأدلة الشرعية:
"إذا سألوه عن دليل مقاله أجاب بقول الله في محكم الذكرِ
وإن يستزيدوا قال: قال محمد وإن يستزيدوا قال: قال أبو بكرِ" (1)
ويعتبر أن كتاب الله هو الصراط المستقيم الذي لاتزيغ به الأهواء، قال رحمه الله:"فإن المنهل الصافي من الكدر، والمنهج الآمِنَ من الخطر، منهج الوحي المحفوظ بالتنزيل، ومنهج الرسول المحروس من التبديل"(2).
والقارئ لكتب السرمري رحمه الله يجد أنه غالباً مايصدر الأدلة من القرآن الكريم، وهذا المنهج تجده واضحاً عند القراءة في كتبه، وانظر على سبيل المثال: كتابه (إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة) فقد تميز كتابه هذا عن كثير من كتب أدلة الأحكام أن مؤلفه جعل من منهجه أن يستفتح أبواب الكتاب بذكر الآيات القرآنية المتعلقة بالأحكام الشرعية، قال جمال الدين السرمري في مقدمته:"وافتتحت كل باب بآيةٍ فصاعداً من الكتاب العزيز تتعلق بأحكامه، وتشهد بتهذيبه وإحكامه"(3)، فجعل معقد الترجيح فيه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فكفى الطالب "كلفة ترجيح أحد أقوال العلماء، والانتصار لفلان وفلانٍ من الفقهاء، فيقول: قال الله وقال الرسول، وناهيك بما في ذلك من إدراك السؤال"(4).
(1) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 28.
(2)
إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة، ص 71.
(3)
إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة، ص 71.
(4)
إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة، ص 71.
وهذا المنهج من السرمري رحمه الله هو منهج السلف الصالح الذين يسلمون لنصوص القرآن الكريم تسليماً مطلقاً فلا يحرفون منها شيء، ولا يعارضونها بشيء، لا بعقل، ولا وجد ولاغير ذلك، يمتثلون قول الله عز وجل:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحُجُرات: 1].
وقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: من الآية 10]
وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي» (1)، وغيرها من النصوص التي يضيق المقام عن حصرها.
قال الإمام أحمد رحمه الله: "لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتاب الله، أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن التابعين، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود"(2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان منهج السلف في ذلك: "وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه، ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات، والآيات البينات أن
(1) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 899)، كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر، ح 1594.
(2)
سير أعلام النبلاء (11/ 286).
الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم
…
فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لايوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة" (1).
وقال أيضاً: "فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بياناً شافياً قاطعاً للعذر
…
وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة على بيان ذلك من كان ناقصاً في عقله وسمعه، ومن له نصيب من قول أهل النار الذين قالوا:{لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: من الآية 10] " (2).
وقال ابن أبي العز: "وكيف يتكلم في أصول الدين من لا يتلقاه من الكتاب والسنة، وإنما يتلقاه من قول فلان
…
ومن يتكلم برأيه وما يظنه من دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب والسنة، فهو مأثوم وإن أصاب، ومن أخذ من الكتاب والسنة فهو مأجور وإن أخطأ، لكن إن أصاب يضاعف أجره" (3).
(1) مجموع الفتاوى (13/ 28 - 29).
(2)
درء تعارض العقل والنقل (1/ 27 - 28)، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1411.
(3)
شرح العقيدة الطحاوية، ص 115.