الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكُنهه ونهايته" (1).
ويطلق القدر على الحكم والقضاء، ويطلق على التقدير، ويأتي على وجوه أخرى كذلك (2).
أما معنى الإيمان بالقضاء والقدر في الشرع: "فهو الإيمان بتقدير الله تعالى الأشياء في القدم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها، وخلقه لها (3).
المطلب الثاني: مراتب القدر:
إن حقيقة الإيمان بالقدر لابد أن يشتمل على الإيمان والتصديق بمراتبه، بل إن هذه المراتب تمثل أركان الإيمان بالقدر، ومتى اختل ركن فقد اختل إيمان الشخص بهذا الأصل العظيم.
قال الإمام ابن القيم: "الباب العاشر: في مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر
…
" (4).
وهي أربع مراتب (5):
1): العلم
يجب الإيمان بعلم الله عز المحيط بكل شيء، وأنه علم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأنه علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، وأنه يعلم كل شيء بعلمه القديم
(1) معجم مقاييس اللغة (5/ 62)؛ وانظر: لسان العرب (5/ 74)، المفردات في غريب القرآن ص 395 - 396.
(2)
انظر: القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس ص 36 - 39، د. عبدالرحمن المحمود.
(3)
القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس ص 39 - 40، د. عبدالرحمن المحمود.
(4)
شفاء العليل، ص 29.
(5)
انظر: شفاء العليل ص 29 - 65؛ القضاء والقدر ص 54 - 83، د. عبدالرحمن المحمود.
المتصف به أزلاً وأبداً.
وأدلة هذه المرتبة كثيرة، منها قوله تعالى:{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: من الآية 12]، وقوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: من الآية 73]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 98]، وقوله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59].
وقد اتفق على الإيمان بالعلم السابق الرسلُ عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى خاتمهم، واتفق عليه جميع الصحابة ومن تبعهم من الأمة، ولم يخالف إلا مجوس الأمة -غلاة القدرية- (1).
2) الكتابة:
وهي أن الله تعالى كتب مقادير المخلوقات، والمقصود بهذه الكتابة: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهو الكتاب الذي لم يُفرِّط فيه الله من شيء، فكل ما جرى ويجري فهو مكتوب عند الله.
وأدلة هذه المرتبة كثيرة، منها قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: من الآية 38]، وقوله تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70]، وقوله تعالى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61].
قال ابن القيم: "وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث أن كل كائن إلى يوم
(1) شفاء العليل، ص 29
القيامة فهو مكتوب في أم الكتاب" (1).
3) المشيئة:
كل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يخرج عن إرادته الكونية شيء.
وقد وردت أدلة كثيرة جداً لهذه المرتبة، منها قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، وقوله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة: من الآية 48]، والله سبحانه وتعالى وجَّه نبيه قائلاً:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23 - 24].
قال الإمام الصابوني: "ومن مذهب أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، ولم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء أن لا يُعصى ما خلق إبليس، فكفر الكافرين، وإيمان المؤمنين، بقضائه سبحانه وتعالى وقدره، وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه"(2).
4) الخلق:
يجب الإيمان بأن الله خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، فلا يقع في هذا الكون شيء إلا وهو خالقه.
وأدلة هذه المرتبة كثيرة، منها قوله تعالى:{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95 - 96]، وقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزُّمَر: من الآية
(1) شفاء العليل، ص 41
(2)
عقيدة السلف وأصحاب الحديث، ص 285 - 286.