الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ماهو كذب ومنها ما قدر زيد ونُقص وغُيِّر عن وجهه، والصحيح منه: هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون
…
" (1).
ولا يعني الإمساك عما شجر بين الصحابة ادعاء العصمة لهم، بل هم بشر يجري عليهم
ما يجري على سائر البشر من الخطأ والسهو والغفلة.
قال شيخ الإسلام: "ومما ينبغي أن يُعلم أنه وإن كان المختار الإمساك عما شجر بين الصحابة والاستغفار للطائفتين جميعاً وموالاتهم، فليس من الواجب اعتقاد أن كل واحد من العسكر لم يكن إلا مجتهداً متأولاً كالعلماء، بل فيهم المُذنب والمُسيء، وفيهم المُقصر في الاجتهاد لنوع من الهوى لكن إذا كانت السيئة في حسنات كثيرة كان مرجوحة مغفورة، وأهل السنة تُحسن القول فيهم وتترحم عليهم وتستغفر لهم، لكن لا يعتقدون العصمة من الإقرار على الذنوب وعلى الخطأ في الاجتهاد
…
" (2).
المطلب الثالث: ترتيب الخلفاء في الفضل:
إن التفاضل بين الخلق سنة من سنن الله في هذا الكون:
قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: من الآية 32].
وقال عز وجل: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: من الآية 71].
ولقد فضل الله بعض النبيين على بعض، قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: من الآية 253].
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: من الآية 55].
(1) مجموع الفتاوى (3/ 155).
(2)
مجموع الفتاوى (4/ 434).
كما أنه سبحانه وتعالى فاضل بين الأمم، فقال سبحانه وتعالى:{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة من الآية: 47].
وكذلك الصحابة رضي الله عنهم كسائر الخلق بينهم التفاضل، قال تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: من الآية 10].
وأهل السنة والجماعة يقرون بما تواتر به النقل ودلت عليه الآثار من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ووقع الخلاف من بعضهم في عثمان وعلي رضي الله عنهم في الفضل مع إجماعهم على تقديم عثمان رضي الله عنه في مسألة الخلافة.
ثم استقر قول أهل السنة على تقديم عثمان على علي في الفضل، وأن ترتيب الخلفاء الأربعة في الفضل كترتيبهم في الخلافة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض ذكره لأصول أهل السنة والجماعة: "ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن غيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربِّعون بعلي رضي الله عنهم كما دلت عليه الآثار وكما أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تقديم عثمان في البيعة مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر- أيها أفضل، فقدم قوم عثمان وسكتوا أو ربعوا بعلي، وقدَّم قوم علياً، وقوم توقفوا؛ لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، وإن كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي- ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضلل المخالف فيها هي مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله"(1).
وهذا ما قرره جمال الدين السرمري رحمه الله حيث قال:
(1) مجموع الفتاوى (3/ 153).