الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحصل بمجموعها العلم القطعي
…
وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف، وأنكرت ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهرة وحقيقته ولا حاجة تدعو إلى تأويله فخرق من حرفه إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف" (1).
المطلب السادس: الصراط:
الصراط: وهو جسر ممدود على ظهر جهنم مدحضة مزلة، أحدّ من السيف وأدق من الشعر، وأحر من الجمر، عليه خطاطيف تأخذ الأقدام، وعبوره بقدر الأعمال، مُشاة وركباناً وزحفاً، يمر عليه المسلم والكافر، فيجوزه المؤمن كالبرق والريح وأجاويد الخيل والركبان والمشاة، فناج مسلم ومخدوش ومكردس في النار (2).
وقد دلت الأدلة في الكتاب والسنة على إثبات الصراط
قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71 - 72] ذهب أكثر المفسرين أن المقصود بورود النار هنا: المرور على الصراط، وهو منقول عن ابن مسعود وجابر والحسن وقتادة وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم والكلبي وغيرهم (3).
وقال ابن جرير رحمه الله بعد أن حكى الخلاف في تفسير الآية: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون، فينجيهم الله، ويهوي فيها الكفار، وورودها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم، فناج مسلم، ومكدس فيها"(4).
(1) فتح الباري (11/ 467).
(2)
التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1/ 126)، لسليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، الطبعة الأولى 1404، دار طيبة، الرياض.
(3)
التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار ص 249، لابن رجب الحنبلي، 1399، مكتبة دار البيان، دمشق.
(4)
جامع البيان في تأويل القرآن (18/ 234)، لابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد شاكر، الطبعة الأولى 1420، مؤسسة الرسالة.
وقال ابن أبي العز: " واختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: من الآية 71] ما هو؟ والأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط، قال تعالى:{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال:«والذي نفسي بيده، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة» ، قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: من الآية 71] فقال: «ألم تسمعيه قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]» أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله، بل تستلزم انعقاد سببه، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه، يقال: نجاه الله منهم
…
وكذلك حال الوارد في النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً، فقد بين صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المذكور: أن الورود هو الورود على الصراط" (1).
أما من السنة: فقد حكى بعض العلماء أن أحاديث الصراط بلغت حد التواتر المعنوي (2).
والإيمان بالصراط من أصول الإيمان باليوم الآخر.
وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري هذا الأصل بقوله:
"وفي الحشر ميزان ونار وجنة وفيه صراط للمزلة والعبر"(3).
وما قرره جمال الدين السرمري من الإيمان بالصراط المنصوب على متن جهنم هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة الذين يأولون النصوص الواردة في الصراط عن ظاهرها.
قال السفاريني: "اتفقت الكلمة على إثبات الصراط في الجملة، لكن أهل الحق يثبتونه على ظاهره من كونه جسراً ممدوداً على متن جهنم، أحد من السيف وأدق من الشعر، وأنكر هذا الظاهر القاضي عبد الجبار المعتزلي، وكثير من أتباعه زعماً منهم أنه لا يمكن عبوره، وإن أمكن ففيه تعذيب، ولا عذاب على المؤمنين والصلحاء يوم القيامة، وإنما المراد طريق الجنة
(1) شرح العقيدة الطحاوية، ص 280.
(2)
انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر، ص 231.
(3)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 38.
المشار إليه بقوله تعالى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد: 5]، وطريق النار المشار إليه بقوله تعالى:{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: من الآية 23].
ومنهم من حمله على الأدلة الواضحة، والمباحات والأعمال الرديئة ليسأل عنها ويؤاخذ بها،
وكل هذا باطل وخرافات، لوجوب رد النصوص على حقائقها، وليس العبور على الصراط بأعجب من المشي على الماء أو الطيران في الهواء، والوقوف فيه، وقد أجاب صلى الله عليه وسلم عن سؤال حشر الكافر على وجهه بأن القدرة صالحة لذلك، وأنكر العلامة القرافي كون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، وسبقه إلى ذلك شيخه العز بن عبد السلام، والحق أن الصراط وردت به الأخبار الصحيحة، وهو محمول على ظاهره بغير تأويل كما ثبت في الصحيحين والمسانيد والسنن والصحاح مما لا يحصى إلا بكلفة من أنه جسر مضروب على متن جهنم يمر عليه جميع الخلائق، وهم في جوازه متفاوتون.
وقال المنكر لكون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف: هذا إن ثبت حمل على غير ظاهره لمنافاته للأحاديث الأخر من قيام الملائكة على جنبتيه، وكون الكلاليب والحسك فيه، وإعطاء كل من المارين عليه من النور قدر موضع قدميه.
قال القرافي: والصحيح أنه عريض، وقيل: طريقان يمنى ويسرى، فأهل السعادة يسلك بهم ذات اليمين، وأهل الشقاوة يسلك بهم ذات الشمال، وفيه طاقات كل طاقة تنفذ إلى طبقة من طبقات جهنم، وجهنم بين الخلق وبين الجنة، والجسر على ظهرها منصوب فلا يدخل أحد الجنة حتى يمر على جهنم، وهو معنى قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: من الآية 71] على أحد الأقوال.
ثم قال القرافي تبعاً للحافظ البيهقي: كون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف لم أجده في الروايات الصحيحة، وإنما يروى عن بعض الصحابة، فيؤول بأن أمره أدق من الشعر، فإن يسر الجواز عليه وعسره على قدر الطاعات والمعاصي، ولا يعلم حدود ذلك إلا الله تعالى، وقد جرت العادة بضرب دقة الشعر مثلا للغامض الخفي، وضرب حد السيف لإسراع الملائكة في المضي لامتثال أمر الله، وإجازة الناس عليه.