الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به" (1).
وقال الإيجي: "هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه
على كافة الأمة" (2).
المطلب الأول: طاعة الأئمة، وحكم الخروج على الإمام الجائر:
هذه المسألة من أبرز المسائل المتعلقة بمبحث الإمامة، وذلك لما حصل فيها من خلاف بين أهل السنة وبين بعض أهل البدع.
وقد ذهب عامة أهل السنة إلى وجوب طاعة الأئمة، وعدم جواز الخروج على ولاة الأمر حتى ولو جاروا وظلموا، مالم يُرَ كفراً بواحاً فيه من الله برهان، لما يترتب على الخروج عليهم من المفاسد التي لا يقدر قدرها إلا الله، من سفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وانتهاب الأموال.
بل وأوجب العلماء إقامة الشعائر العامة معهم مع جورهم وظلمهم، كإقامة الجمع، والحج، والعيدين، والجهاد، ونحو ذلك.
وهذا ما قرره الإمام جمال الدين السرمري وبينه بياناً لا لبس فيه، حيث قال:
"وإن نحن بايعنا الإمام ببيعة
…
وَفينا ولم نغدرْ ولا خير في الغدرِ
ونَلقى ولاة الأمر منا بطاعة
…
ولا يُلتقى بالسيف منا أولى الأمرِ
وننصرهم إن جاهدوا ونطيعهم
…
وإن ظلموا عُدنا من الظلم بالصبرِ" (3).
وكلام جمال الدين السرمري هذا، وكلام الأئمة قبله وبعده قد استند في ذلك إلى النصوص الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة.
ومما ورد في هذا المعنى:
(1) مقدمة ابن خلدون (1/ 365)، لولي الدين عبدالرحمن بن خلدون، تحقيق: عبدالله الدرويش، الطبعة الأولى 1425، دار يعرب، دمشق.
(2)
كتاب المواقف (3/ 579).
(3)
نهج الرشاد، ص 37.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: من الآية 59].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم
عبد حبشي، كأنَّ رأسه زبيبة» (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني» (2).
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (3).
وعن عوف بن بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة» (4).
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع» قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلَّوا» (5).
(1) أخرجه البخاري (9/ 62)، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية، ح 7142.
(2)
أخرجه البخاري (9/ 61)، كتاب الأحكام، باب قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: من الآية 59]، ح 7137؛ ومسلم (3/ 1466)، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، ح 1835.
(3)
أخرجه البخاري (9/ 63)، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية، ح 7144؛ ومسلم (3/ 1469)، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، ح 1839؛ واللفظ للبخاري.
(4)
أخرجه مسلم (3/ 1481)، كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، ح 1855.
(5)
أخرجه مسلم (3/ 1480)، كتاب الإمارة، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا ونحو ذلك، ح 1854.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يُفارق الجماعة شبراً فيموت، إلا مات ميتة جاهلية» (1).
هذه بعض نصوص الكتاب والسنة الدالة على وجوب طاعة الأئمة في غير معصية الله أبراراً كانوا أو فجاراً، وتحريم الخروج عليهم.
أما الآثار عن السلف في هذا المعنى فكثيرة جداً.
فمن ذلك قول أبو إسماعيل الصابوني: "ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجرًا، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف"(2).
وقال ابن بطال: "وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء
…
ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها" (3).
وقال حنبل: "اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبدالله، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، وقال: ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار"(4).
(1) أخرجه البخاري (9/ 62)، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية، ح 7143؛ ومسلم (3/ 1478)، كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر، ح 1849؛ واللفظ للبخاري.
(2)
عقيدة السلف وأصحاب الحديث، ص 32.
(3)
فتح الباري (13/ 7).
(4)
الآداب الشرعية (1/ 196).
وقال النووي: "أجمع العلماء على وجوبها -يعني طاعة الأمراء- في غير معصية وعلى تحريمها في المعصية"(1).
وقد بين الإمام النووي أن العلة من الحكم بالحرمة والتي من أجلها تظاهرت الأحاديث وانعقد إجماع أهل السنة: هو ما يترتب على ذلك من المفاسد الكثيرة، فقال:"وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع، قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه"(2).
وأما من يقول بجواز الخروج على أئمة الجور محتجاً بفعل بعض السلف، فالجواب عليه: أن القول بعدم جواز الخروج على أئمة الجور كان من مسائل الخلاف بين أهل السنة ثم انعقد الإجماع على الحرمة، ثم ليس كل خروجهم كان بمجرد الفسق، قال القاضي عياض:"وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث، وتأول هذا القائل قوله أن لا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل، وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر، قال القاضي: وقيل أن هذا الخلاف كان أولاً ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم"(3).
قال الباحث: وإن كان ظاهر قول القاضي عياض أنه يضعف انعقاد الإجماع على ذلك، لكن قد تقدم عن غير واحد من أهل العلم من حكى الإجماع عليه.
(1) شرح النووي على مسلم (12/ 229).
(2)
شرح النووي على مسلم (12/ 229).
(3)
شرح النووي على مسلم (12/ 229).