الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال في موضع آخر عند الكلام على فضل المشي إلى المساجد: "وقال لقوم أرادوا أن يحوِّلوا بيوتَهم إلى قربِ المسجد: «دياركم تُكتب آثاركم» يعني الزموا دياركم البعيدة من المسجد لتكثُرَ حسناتكم بكثرةِ الخُطا إلى المسجد، والله أعلم؛ وفي روايةٍ قال لهم: «إن لكم بكلِّ خطوة درجة» والقوم هم بنو سلمة من الأنصار، وفي أفراد البخاري من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجلٌ لا أعلم رجلاً أبعدَ من المسجدِ منه، وكان لا تُخطئه صلاةً - يعني في المسجد جماعة - قال: فقيل له، أو قلتُ له: لو اشتريتَ حماراً تركبهُ في الظلماء أو في الرمضاء، قال: ما يسرُّني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريدُ أن يُكتَبَ لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعتُ إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جمع اللهُ لك ذلك كله» وفي رواية: «إن لك ما احتسبت» "(1).
المسألة التاسعة: تقديم الحديث على القياس:
ليس أحد من الأئمة إلا وهو يقدم الحديث على القياس، فقدم أبو حنيفة حديث القهقهة في الصلاة على محض القياس وأجمع أهل الحديث على ضعفه، وقدم الشافعي خبر جواز الصلاة بمكة وقت النهي مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد، وأما مالك فإنه يقدم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابي على القياس (2)، وقال عبدالله بن أحمد سمعت أبي يقول: الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي، فقال عبدالله: سألت أبي عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه وأصحاب
الرأي فتنزل به النازلة، فقال أبي: يسأل أصحاب الحديث ولا يسأل أصحاب الرأي، ضعيف الحديث أقوى من الرأي (3).
(1) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 47 - 48.
(2)
انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 31 - 32)، تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973 م.
(3)
إعلام الموقعين (1/ 76 - 77).
وقد سلك جمال الدين السرمري رحمه الله مسلك السلف في الاعتصام بالسنة وتقديمها والاعتناء بها، ومن أمثلة ذلك قوله عند الكلام على الطب النبوي وتقديمه على طب الفلاسفة:"ليس حال من وصّل إلينا الحديث النبوي من أهل الإسلام ولو كان مهما كان من الوهن بأدنى مقالة ممن وصل إلينا عنه طب بقراط وجالينوس"(1).
وقال في موضع آخر: " ومن هنا توسعنا في الرواية عن الصغار في الأحاديث الطبية عن النبي صلى الله عليه وسلم مالم نتوسعه في الأحاديث الدينية لأنا وجدنا بين ما نقلنا عنه بعض الأحاديث الطبية من الضعفاء وبين من نقلها عن بقراط وجالينوس ونحوهما بوناً عظيماً بل غالبهم كفار"(2).
وقال في موضع آخر عند الكلام على العدوى: "وقد زعم قوم جهال ينتسبون إلى العلم وليسوا من أهله، ويجرون في ميدانه وليسوا بخيله ولا رجله، أن هذا الداء وغيره من بقية الأدواء يُعدي
…
وهذا خُلف من القول وزيف من النقل، لا يجوز استماعه، ولا يَحِلُّ اعتقاده لما جاء في ذلك من الأحاديث الصحيحة بالعبارات الواضحة الصريحة" (3).
وقال في موضع آخر عند الكلام على أن لبس الحرير يمنع تولد القمل: "ولما روى أنس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخّص لعبدالرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما»، وفي رواية: «أنهما شكوا إليه القمل فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما» أخرجاه في الصحيحين؛ فلبس الحرير يمنع تولد القمل خلافاً لابن سينا فإنه يزعم أن لبسه يولد القمل وقول النبي صلى الله عليه وسلم أصدق وأولى بالقبول"(4).
(1) شفاء الآلام في طب أهل الإسلام (مخطوط) ورقة: 206 أ.
(2)
شفاء الآلام في طب أهل الإسلام (مخطوط) ورقة: 170 ب.
(3)
كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون، 44 - 50.
(4)
شفاء الآلام في طب أهل الإسلام (مخطوط) ورقة: 94 أ.