الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
62]، وفي آية أخرى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر: من الآية 62].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يضل من يشاء، ويهدي من يشاء
…
" (1).
تقرير الإمام جمال الدين السرمري لمراتب القدر:
وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري مراتب القدر الأربع في عدة مواضع، علماً بأنه لم يتحدث عنها مرتبة، أو بعناوين مستقلة، بل جاء الحديث عنها في ثنايا كلامه، ومن ذلك قوله: "والغرض ها هنا أنه لا يُمرض إلا الله ولا يُعافي سواه، ولا يحيي ولا يميت إلا إياه، وهذه الأسباب التي تحصل منها التأثيرات من حمة وسقم كلها خلق من خلق الله -قال الباحث: في هذه إشارة إلى مرتبة الخلق-، جارية بمشيئته وواقعة بإرداته -مرتبة المشيئة-، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء -مرتبة العلم-، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين -مرتبة الكتابة-
…
" (2).
المطلب الثالث: أصلا الضلال في القدر:
وهذا الأصلان قد زلت فيهما أقدام، وضلت فيهما أفهام، ونشأ بسببهما الضلال في القدر، وهما مما اتفق عليهما الجبرية والقدرية بالقول بهما على اختلاف مذاهبهم.
1) التسوية بين المشيئة والإرادة وبين الرضا والمحبة:
موضوع الإرادة وهل هي مستلزمة للرضا والمحبة مما خاض فيه أهل الأهواء، وضلوا فيه عن
(1) مجموع الفتاوى (8/ 459).
(2)
كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون، ص 36.
الحق، وأدى بهم ضلالهم إلى انحراف خطير جداً في مسألة القضاء والقدر، وهي مسألة الأمر والنهي، وعلاقة هذه بتلك، والخلاف: هل الإرادة تستلزم الرضا والمحبة؟ وقع على قولين:
القول الأول: إن الإرادة تستلزم الرضا والمحبة:
وهذا قول المعتزلة، والجهمية، وأغلب الأشاعرة، ولكن اتفاق هؤلاء في هذا، لم يجعلهم يتفقون فيما يترتب على ذلك من كون ما يقع من الكفر والمعاصي محبوباً لله لكونه مراداً له، بل اختلفوا:
أ- فقالت المعتزلة القدرية: قد علم بالكتاب والسنة وإجماع السلف أن الله يحب الإيمان
والعمل الصالح، ولا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، ولما كان هذا ثابتاً لزم أن تكون المعاصي ليست مقدرة له ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه.
يقول عبدالجبار الهمذاني المعتزلي: "ولا يصح أن يقال: إن المحبة غير الإرادة، وإنما استحال ما ذكرناه، لأن كل واحد منهما يحتاج إلى صاحبه"(1)، ثم يقول:"أن كل مَن جازت عليه الإرادة، جازت عليه المحبة، وأنه تعالى إذا صح كونه مريداً، فيجب كونه محباً، وكل ما صح أن يريده صح أن يحبه، وكل ما أوجب قبح محبته، أوجب قبح إرادته"(2).
ويقول في الرضا: "وإنما قلنا في الرضا أنه الإرداة، لأنه لو كان غيرها لم يمتنع أن نرضى الشيء وإن لم نُرِده على وجه، أو نريده ويقع على ما أراده، ولا نرضى به على وجه، فإذا بطل ذلك صح أنه الإرادة"(3).
ب- وقالت الجهمية، ومن معها من الأشاعرة: قد علم بالكتاب والسنة والإجماع أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل ما في الوجود فهو بمشيئته وقدرته، وعلى هذا فالكون كله، قضاؤه وقدره، وطاعته ومعاصيه، وخيره وشره، فهو
(1) المغني في أبواب التوحيد والعدل - الإرادة- ص 51، لعبدالجبار الأسد آبادي، تحقيق: محمود قاسم.
(2)
المغني في أبواب التوحيد والعدل - الإرادة- ص 54.
(3)
المغني في أبواب التوحيد والعدل - الإرادة- ص 56.
محبوب لله، لأنه مريده وخالقه.
يقول الباقلاني: "واعلم: أنه لا فرق بين الإرادة، والمشيئة، والاختيار، والرضى، والمحبة
…
واعلم: أن الاعتبار في ذلك كله بالمآل لا بالحال، فمن رضى سبحانه عنه لم يزل راضياً عنه لا يسخط عليه أبداً، وإن كان في الحال عاصياً، ومن سخط عليه فلا يزال ساخطاً عليه ولا يرضى عنه أبداً، وإن كان في الحال مطيعاً" (1).
القول الثاني: إن الإرادة لا تستلزم الرضا والمحبة، بل بينهما فرق:
وهذا قول أهل السنة المثبتين للقدر، وقد دل على ذلك الشرع والفطرة والعقل.
قال تعالى: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: من الآية 39] وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: من الآية 125]، هذا من نصوص المشيئة والإرادة.
ومن نصوص المحبة قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: من الآية 205] وقوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] فالآيات الأولى تدل على أن ما شاء الله كان، ومالم يشأ لم يكن -كما هو إجماع المسلمين- ثم تدل النصوص الأخرى أن هناك أشياء يكرهها الله، ولا يحبها، ولا يرضاها، فدل ذلك على افتراق المشيئة عن المحبة، والآيات في ذلك كثيرة جداً.
وقد فطر الله عباده على أن يقولوا: هذا الفعل يحبه الله، وهذا يكرهه الله، وفلان يفعل ما يغضب الله
…
والكل واقع بقدرة الله ومشيئته، فدل على أن هناك فرقاً بينهما.
وأما العقل: فلا يمتنع في بداهة العقول أن يريد الإنسان شيئاً وهو لا يحبه كما في الدواء
(1) الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص 13، للباقلاني